للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقمر آيتان من آيات الله" معناه إنهما علامتان كما قدمناه دالتان على عِظم قدرة الله وقهره، وكمال إلاهيته، وإنما خصهما بالذكر لما وقع للجاهلية من أنهما لا يخسفان إلَّا لموت عظيم، أو ضرر أو نقص ونحوها، لأن بعضهم كان يعظمهما وهذا لا يصدر إلَّا ممن لا علم له ضعيف العقل، مختل الفهم، فرد - عليه الصلاة والسلام - جهالتهم، وبين أنهما مخلوقان لا صنع لهما كسائر المخلوقات، يطرأ عليهما النقص والتغيير كغيرهما، وتضمن ذلك الرد على من قال بتأثيرات النجوم، ثم أخبر بالمعنى الذي لأجله يكسفان، فقال: "يخوّف الله بهما عباده" أي أنه ينبغي للعباد الخوف عند وقوع التغيرات العلوية قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)} (١).

فإن قيل: وأي تخويف من ذلك والكسوف أمر عادي، بحسب تقابل هذه النيرات وحجب بعضها لبعض، وذلك يجري مجرى

حجب الجسم الكثيف نور الشمس عما تقابله من الأرض وذلك لا يحصل به تخويف (٢).

فالجواب: ما ذكره القرطبي (٣) وغيره: أنّا لا نسلم أن سبب


(١) سورة الإِسراء: آية ٥٩.
(٢) قال ابن العربي -رحمنا الله وإياه- في القبس (١/ ٣٨٠): قلنا طلوع الشمس وغروبها آية، والسموات والأرض كلها آيات، إلَّا أن الآيات على ضربين منها مستمر عادةً فيشق أن يحدث لها عبادة، ومنها ما يأتي نادرًا فشرع للنفس البطّالة الآمنة التعبد والرهبة عند جريان ما يخالف الاعتياد ذكرى لها وصقلًا لصريرها. إهـ.
(٣) المفهم (٣/ ١٥١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>