وقال عبدُ الله بن مغفَّل: أمرنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلابِ ثم قال ما بالُهم وبَالُ الكِلَاب، ثم رخَّصَ في كلب الصيد، وكلب الغنم. والحديثانِ في "الصحيح" فدلَّ على أن الرخصةَ في كلب الصيد وكلب الغنم وقعت بعد الأمر بقتل الكلاب، فالكلبُ الذي أذن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في اقتنائه هو الذي حرَّم ثمنه، وأخبر أنه خبيثٌ دونَ الكلب الذي أمر بقتله، فإن المأمورَ بقتله غيرُ مستبقى حتى تحتاج الأمة إلى بيان حكم ثمنه، ولم تجر العادةُ ببيعه وشرائه بخلاف الكلب المأذون في اقتنائه، فإن الحاجة داعية إلى بيان حكم ثمنه أولى مِن حاجتهم إلى بيان ما لم تجرِ عادتُهم ببيعه، بل قد أُمِرُوا بقتله. ومما يُبين هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر الأربعة التي تُبذل فيها الأموال عادة لحرص النفوس عليها وهي ما تأخذُه الزانية والكاهِنُ والحجَّامُ وبائع الكلب فكيف يُحمل هذا على كلب لم تَجْرِ العادةُ ببيعه، وتخرج منه الكلاب التي إنما جرت العادة ببيعها هذا من الممتنع البينِ امتناعُه، وإذا تبين هذا، ظهر فساد ما شبه به من نسخ خُبثِ أجرة الحجام، بل دعوى النسخ فيها أبعد. وأما إعطاءُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الحجام أجره، فلا يُعارض قوله: "كسب الحجام خبيث" فإنه يقل: إن إعطاءه خبيث، بل إعطاؤه إما واجب، وإما مستحب، وإما جائز، ولكن هو خبيثٌ بالنسبة إلى الآخذ، وخبثُه بالنسبة إلى أكله، فهو خبيثُ الكسب، ولم يلزم من ذلك تحريمُه، فقد سمى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الثوم والبصل خبيثين مع إباحة أكلهما، ولا يلزم من إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - الحجَّام أجرَه حِل أكلِه فضلاً عن كون أكله طيباً، فإنه قال: "إنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ العَطِيَّةَ يَخْرُجُ بِهَا يَتَأبَّطُهَا نَارَاً"، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد كان يُعطي المؤلفةَ قلوبُهم مِن مال الزكاة والفيء مع غناهم، وعدم حاجتهم =