وهذا أصل معروف مِن أصول الشرع أن العقد والبذل قد يكونُ جائزاً، أو مستحباً، أو واجباً من أحد الطرفين، مكروهاً أو محرماً من الطرف الآخر، فيجب على الباذِل أن يَبْذُلَ، ويحرم على الآخذ أن يأخذه. وبالجملة فخبثُ أجرِ الحجَّام من جنس خُبث أكل النوم والبصل، لكن هذا خبيثُ الرائحة، وهذا خبيثٌ لكسبه. فإن قيل: فما أطيبُ المكاسب وأحلُّها؟ قيل هذا فيه ثلاثةُ أقوال للفقهاء: أحدها: أنه كسبُ التجارة. والثاني: أنَّه عملُ اليد في غير الصنائع الدنيئة كالحجامة ونحوِها. والثالث: أنه الزَّراعةُ، ولكل قولٍ مِن هذه وجه من الترجيح أثراً ونظراً، والراجح أن أحلَّها الكسبُ الذي جعل منه رِزق رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهو كسبُ الغانمين وما أُبيح لهم على لسان الشارع، وهذا الكسبُ قد جاء في القرآن مدحُه أكثرَ مِن غيره، وأثني على أهله ما لم يُثْنَ على غيرهم، ولهذا اختاره الله لخيرِ خلقه، وخاتم أنبيائه ورسله حيث يقولُ: "بُعِثْتُ بالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وجُعِلَ رِزْقي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ والصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي"، وهو الرزقُ المأخوذ بعزة وشرف وقهر لأعداء الله، وجعل أحب شيء إلى الله، فلا يُقاومه كسب غيره، والله أعلم. (١) زيادة من ن هـ.