قوله: (وقرأ قل لا أجد فيما أوحى إليّ محرمًا) في رواية ابن مردويه وصححه الحاكم من طريق محمَّد بن شريك عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، قال: "كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرًا"، فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحلَّ حلاله وحرَّم حرامه، فما أحل فيه فهو حلال، وما حرم فيه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا هذه: "قل لا أجد إلى آخرها"، والاستدلال بهذا للحل إنما يتم فيما لم يأتِ فيه نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريمه، وقد تواردت الأخبار بذلك والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل وعلى القياس، وقد تقدم في المغازي عن ابن عباس أنه توقف في النهي عن الحمر: هل كان لمعنى خاص، أو للتأبيد؟ ففيه عن الشعبي عنه أنه قال: لا أدري أنهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرمها البتة يوم خيبر؟ وهذا التردد أصح من الخبر الذي جاء عنه بالجزم بالعلة المذكورة، وكذا فيما أخرجه الطبراني وابن ماجه من طريق شقيق بن سلمة عن ابن عباس قال: "إنما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحمر الأهلية مخافة قلة الظهر"، وسنده ضعيف، وتقدم في المغازي في حديث ابن أبي أوفى: فتحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تخمس"، وقال بعضهم: نهى عنها لأنها كانت تأكل العذرة، قلت: وقد أزال هذه الاحتمالات من كونها لم تخمس أو كانت جلالة أو كانت انتهبت حديث أنس المذكور قبل هذا حيث جاء فيه "فإنها رجس"، وكذا الأمر بغسل الإناء في حديث سلمة، قال القرطبي: قوله: "فإنها رجس" ظاهر في عود الضمير على الحمر لأنها المتحدث عنها المأمور بإكفائها من القدور وغسلها، وهذا حكم المتنجس، فيستفاد منه تحريم أكلها، =