للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَالَ بعضُهم: "عَقْرَىً حَلْقَىً" بالتنوين؛ لأنه أشْعَر أنّ الموضِع مَوضِعُ دُعَاء، فأجراه مجرى كلام العَرَب في الدُّعَاء بالفَاظ المصَادر، فإنها مُنَوّنة، كقَولهم: "سَقْيًا" و"رَعْيًا" و"جَدْعًا" و"كيًّا".

وقيل: "عَقْرَى" بمَعنى "عَقَرَهَا اللَّه".

وقيل: أرَاد "عَقَرَ قَومَها".

وقيل: "جَعَلها عَاقرًا لا تَلِد".

وأمّا "حَلْقَى": فإمّا بمعنى "حَلَق شَعْرها"، أو بمعنى "أصابها وَجَع في حَلْقها"، أو بمَعنى "تحْلِقُ قَومَها بشُؤمِهَا".

وقيل: هَذا من الكَلام الذي كثر على ألسِنة العَرَب، حَتَّى لا يُرَاد به أصْل مَا وُضِع له، كقولهم: "تَرِبَت يَدَاك"، و"قَاتَلُه اللَّه"، و"أفْلَحَ وأبيه"، وغير ذلك من الألفاظ. (١)

قوله: "حَجَجْنَا مَع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأفَضْنا": المعنى: "شَرَعْنا في أفعَال الحَجّ، فأفَضْنا"، فالفِعْل في الحقيقة على المقَدّر. و"يَوم" ظَرْفٌ، العَامِلُ فيه: "أفَضْنا". والضّميرُ في "أفَضْنا" ضَمير الفَاعِل، وهُو كِنَاية عَن "عَائشة وأزْوَاجه"؛ لأنّ النّاس كُلّهم لم يُفيضوا في ذلك اليوم.

وفيه: أنّ أزواجه إفاضتهن لم يكُن للنبي عِلْم بمَن تأخّر مِنْهُن عَن الإفَاضَة، حَتَّى قالت له عَائِشَة: "إنها أفاضَت".

وعليه مِن الإشْكَال: أنّه إِذَا شَكّ في إفاضة صَفية، كيف طَلبها لحاجَته قبل إفاضَتها؟ إلا أنْ يحمَل أنّه عَلم بإفاضَتهن من حيث الجُمْلَة، فلَمَّا أخبر بحيضتها خَشِي أن تكُون تأخّرَت عَنهُن بسبب حيضتها فلم تُفِض؛ فقَالَ ذَلك، فأخبرته أنّ


(١) انظر: إحكام الأحكام (٢/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>