للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "فقُلتُ له: قد قُلتُه": في الكَلام اقتضَابٌ يدُلّ عليه السّياق، أي: "فقيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فقال لي: أنت قُلته؟ فقال عبد الله: قد قُلته". (١)

قوله: "بأبي أنت وأمّي": حرفُ الجر يتعلّق بمحْذُوف، تقديره: "أفديك بأبي" (٢)، وتكُون "أنت" [تأكيدًا] (٣) للكَاف في "أفديك". و"أمّي" معطوفٌ على "أبي".

وتأكيدُ الضّمير المنصُوب بالضّمير المرفُوع جَائزٌ، منه قَوله تعَالى: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: ١٢٩] (٤). (٥)

ويجوز أن تكون "أنت" مُبتدأ، والخبرُ في جُملة "أفْديك" مُتقَدّم محذُوف، أي: "أنتَ أفْديك بأَبي". وهَذا مِن كَمال حُسْن الأدَب عِنْد خِطَاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقَدّم الأب على الأُم؛ لأنّ تعَلّق الوَلَد بوَالِده وتوَقّعه لنُصْرَته لا يُوجَد في الأُم. والعَرَبُ تقَدّم عند الخطاب هَذَا ومثله؛ استعطافًا واستجلابًا وتَوْطِئَةً.

فإنْ قُلْت: فقَد قَدّم قُبيل هَذا "قد قُلتُه يَا رَسُولَ الله"، ولم يَذكُر "بأبي أنْتَ وأُمّي". فالجوَاب: أنّه آثَرَ سُرعَة [إجابة] (٦) النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما سَأَل عنْه، [ثُم] (٧) أتَى بما


(١) سبق أنّ أكثر نُسخ متن "عُمدة الأحكام" فيها: "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْتَ الَّذِي قُلْتَ ذَلِكَ؟ ". والله أعلم.
(٢) انظر: الزاهِر في مَعاني كَلمات النّاس، لأبي بكر الأنباري، (١/ ١٦٢).
(٣) بالنسخ: "تأكيد".
(٤) وكذا ورَدَت في سورة [غافر: ٨] وسورة [الممتحنة: ٥].
(٥) انظر: البحر المحيط (١/ ٦٢٥)، شرح المفصل (٢/ ٢٢٥)، توضيح المقاصد والمسالك (٢/ ٩٨٦)، أوضح المسالك (٣/ ٣٦٨)، الصبان (٣/ ١٢٣)، همع الهوامع (١/ ٢٧٨)، (٣/ ١٨٢)، النحو الوافي (٣/ ٤٣٦).
(٦) سقط من النسخ. ولعل الصّواب المثبت.
(٧) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>