للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالقول بأن أول واجب على المكلف هو المعرفة أو النظر أو القصد إليه قول مُبتدَع حادث بعد القرون الفاضلة.

يقول العلامة ابن حزم (١) رحِمهُ الله: "ومن البرهان الموضح لبطلان هذه المقالة الخبيثة أنه لا يشك أحد ممن يدري شيئًا من السير ... في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مذ بُعث لم يزل يدعو الناس الجماء الغفير إلى الإيمان بالله تعالى، وبما أتى به ويقاتل من أهل الأرض من قاتله ... ويقبل ممن آمن به ويحرم ماله ودمه وأهله وولده، ويحكم له بحكم الإسلام ...

فما منهم من أحد ... قال له عليه السلام: إني لا أقبل إسلامك ولا يصح لك دين حتى تستدل على صحة ما أدعوك إليه ... لسنا نقول: إنه لم يبلغنا أنه عليه السلام قال ذلك لأحد، بل نقطع نحن وجميع أهل الأرض قطعًا كقطعنا على ما شاهدناه أنه عليه السلام لم يقل قط هذا لأحد، ولا رد إسلام أحد حتى يستدل، ثم جرى على هذه الطريقة جميع الصحابة رضى الله عنهم أولهم عن آخرهم، ولا يختلف أحد في هذا الأمر، ثم جميع أهل الأرض إلى يومنا هذا ...

فصح أن هذه المقالة خرق للإجماع، وخلاف لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وجميع أهل الإسلام قاطبة" (٢).

ويقول العلامة أبو المظفر السمعاني رحِمهُ الله: "هذا القول - يعني: وجوب النظر وكونه أول واجب - مخترع لم يسبقهم إليه أحد من السلف وأئمة الدين، ولو أنك تدبرت جميع أقوالهم وكتبهم لم تجد هذا في شيء منها منقولًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة وكذلك من التابعين بعدهم، وكيف يجوز أن يخفى عليهم أول الفرائض، وهم صدر الأمة والسفراء بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " (٣).


(١) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي اليزيدي، فقيه محدث متكلم، له مؤلفات كثيرة، منها: الفصل في الملل والأهواء والنحل، والدرة فيما يجب اعتقاده، والمحلى، توفي سنة ٤٥٦ هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (١٨/ ١٨٤)، شذرات الذهب (٣/ ٢٩٩).
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل (٤/ ٧٦).
(٣) الانتصار لأهل الحديث (ضمن صون المنطق للسيوطي) (ص ١٧١ - ١٧٢).

<<  <   >  >>