للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما أراد له ... فمع النظر لذلك لا فائدة لسؤال الخلق مع التعويل عليهم ... فوجب أن لا يعتمد في أمر من الأمور إلا عليه سبحانه وتعالى ... فبقدر ما يميل القلب إلى مخلوق يبتعد عن مولاه، لضعف يقينه، ووقوعه في هُوّة الغفلة عن حقائق الأمور التي تيقظ لها أصحاب التوكل واليقين" (١).

وقال في شرحه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا استعنت فاستعن بالله": "وإذا استعنت أي: طلبت الإعانة على أمر من أمور الدنيا والآخرة فاستعن بالله، لما علمت أنه القادر على كل شيء وغيره عاجز عن كل شيء حتى جلب مصالح نفسه ودفع مضارها، والاستعانة إنما تكون بقادر على الإعانة، وأما من هو كلٌّ على مولاه لا قدرة له على إنفاذ ما يهواه لنفسه فضلًا عن غيره فكيف يؤهل للاستعانة به أو يتمسك بسببه؟

قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفاتحة: ٥]، قدّم المعمول ليفيد الحصر والاختصاص، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول، ومن ثم كانت لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة" (٢).

وقال في شرحه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك":

"المعنى وَحِّد الله تعالى في لحوق الضرر والنفع، فهو الضار النافع، ليس لأحد معه في ذلك شيء ... فعلم أن هذا تقرير وتأكيد لِمَا قبله من الإيمان بالقدر خيره وشره، وتوحيده تعالى في لحوق الضرر والنفع على أبلغ برهان وأوضح بيان، وحث على التوكل والاعتماد على الله عز وجل في جميع الأمور، وعلى شهود أنه سبحانه وتعالى وحده المؤثر في الوجود، النافع الضار، وغيره ليس له من النفع ولا من الضرر شيء، وعلى الإعراض عما سواه إذ من تيقن ذلك لم يشهد ضره ونفعه إلا من مولاه ولم ينزل حاجته إلا به سبحانه وتعالى" (٣).


(١) فتح المبين (ص ١٧٢).
(٢) المصدر السابق (ص ١٧٣).
(٣) المصدر السابق (ص ١٧٣، ١٧٤).

<<  <   >  >>