للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وختم شرحه لهذا الحديث بقوله: "ثم مدار هذه الوصية كلها على هذا الأصل [يعني: التوكل] إذ ما قبله وما بعده مفرع عليه وراجع إليه؛ فإن من علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب له من خير وشر، ونفع وضر، وأن اجتهاد الخلق كلهم بخلاف المقدور لا يفيد شيئًا البتة، علم أن الله تعالى وحده هو الضار النافع، المعطي المانع، فأفرده بالطاعة، وحفظ حدوده، وخافه ورجاه، وأحبه وقدم طاعته على طاعة خلقه كلهم، وأفرده بالاستعانة به، والسؤال له، والتضرع إليه، والرضا بقضائه في حال الشدة والرخاء" (١).

ومع تقرير ابن حجر -غفر الله له- ما سبق فإنه يرى أن من رجا النبي - صلى الله عليه وسلم - أو دعاه أو استعاذ أو استغاث به إنما رجا الله تعالى ودعاه واستعاذ واستغاث به على الحقيقة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو واسطة بين الراجي والمرجو والداعي والمدعو والمستعيذ والمعيذ والمستغيث والمغيث، وحصول الإجابة والمرجو والإعاذة والغوث منه - صلى الله عليه وسلم - سببًا وكسبًا لا خلقًا وإيجادًا.

يقول في تقرير ذلك: "الاستغاثة طلب الغوث، والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره، وإن كان أعلى منه، فالتوجه والاستغاثة به وبغيره ليس لهما معنى في قلوب المسلمين غير ذلك ... والمستغاث به في الحقيقة هو الله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - واسطة بينه وبين المستغيث، فهو سبحانه مستغاث به، والغوث منه خلقًا وإيجادًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مستغاث والغوث منه سببًا وكسبًا" (٢).

وقد وقع ابن حجر -عفا الله عنه- في مزالق خطيرة، وطوام كبيرة، بسبب تقريره ذلك اعتمادًا على هذه الحجة الفاسدة، والشبهة الباطلة، منها: دعاؤه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتوسله إليه، وطلب الشفاعة منه، ورجاؤه مغفرة الذنوب وستر العيوب، والاستعاذة به من كل مكروه، والاستغاثة به في المهالك (٣)! ! !


(١) فتح المبين (ص ١٧٦).
(٢) الجوهر المنظم (ص ٦٢).
(٣) انظر: المنح المكية (٣/ ١٣٢٣، ١٣٢٨، ١٣٣٤، ١٣٣٥، ١٤١٧، ١٤٢٧، ١٤٢٨)، العمدة في شرح البردة (ص ٦٥٩).

<<  <   >  >>