للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (١).

وما ذكره ابن حجر -غفر الله له- في كلامه المتقدم من تأكيد اختصاص الله تعالى بالدعاء والاستعانة والتوكل ونحوها من العبادات يناقض صرفه بعضها الآخر لغير الله؛ إذ كلها يصدق عليها مسمى العبادة ويحرم صرفها لغيره سبحانه، فالتفريق بينها تفريق بين المتماثلات.

وابن حجر -عفا الله عنه- بصنيعه هذا لا ينكر كون تلك الاعتقادات والأقوال والأعمال من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله، وإنما يدعي أنه بفعله هذا لم يصرفها لغيره، متمسكًا بما ذكره من شبهة المجاز العقلي (٢) والتي أشار إليها بقوله المتقدم: "والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره ... والمستغاث به في الحقيقة هو الله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - واسطة بينه وبين المستغيث وشبهة الكسب والتسبب والتي أشار إليها أيضًا بقوله السابق: "فهو سبحانه مستغاث به، والغوث منه خلقًا وإيجادًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مستغاث، والغوث منه سببًا وكسبًا".

ولَمّا كان الأمر كذلك فسأكتفي بمناقشته فيما تمسك به من شبهات، متجاوزًا تقرير كون تلك الاعتقادات والأقوال والأعمال من العبادات، وأن العبادة لا يجوز صرفها لغير الله؛ لأن ذلك محل اتفاق لا نزاع.

وعليه فإن ما تمسك به ابن حجر من شبهتي المجاز العقلي والكسب والتسبب هو في الحقيقة شبهة واحدة مركبة؛ ذلك أن من يقول بأن إسناد الفعل إلى غير الله مما لا يصح إسناده إلا إلى الله مجاز لا حقيقة، ويستدل بذلك على جواز صرف بعض العبادات لغير الله، يجعل القرينة كون الفاعل مسلمًا موحدًا، والعلاقة في ذلك الكسب والتسبب (٣)؛ فرجع الأمر حينئذ إلى كونهما شبهة واحدة مركبة.


(١) أخرجه مسلم، باب من أشرك في عمله غير الله (٤/ ٢٢٨٩) (٢٩٨٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - به.
(٢) المجاز العقلي -عند القائلين به- هو إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له. انظر: التعريفات (ص ٢٥٩).
(٣) انظر: شفاء السقام للسبكي (ص ١٤٤، ١٧٦ - ١٧٨)، خلاصة الكلام في تاريخ البلد =

<<  <   >  >>