للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه لا دليل قوي، ولا صارف واضح، يمكن الاعتماد عليه للقول بأن دعاء غير الله والتوسل به مجاز عقلي، بل الدليل على خلافه (١) -كما سيأتي-.

ب- أن حد المجاز العقلي لا ينطبق على دعاء الأموات، وندائهم، والاستغاثة بهم، إذا اعتبرنا حال الداعين واعتقادهم فالإسناد الواقع في كلامهم إسناد حقيقي ينطبق عليه حد الحقيقة العقلية، ولا ينطبق عليه حد المجاز العقلي، وذلك لأن علماء البلاغة ذكروا أن العبرة في الإسناد ليكون مجازًا عقليًا أن يكون الحكم المفاد منه خلاف ما يعتقده المتكلم، وقالوا: إن قول الدهري: أنبت الربيع البقل لا يسمى مجازًا (٢).

وبناء على ذلك فإن كثيرًا ممن يدعون الأموات والغائبين الإسناد الواقع في كلامهم حقيقة عقلية وليس مجازًا عقليًا، لاعتقادهم التأثير والتصرف في الكون ومما يؤيد ذلك سيرهم وأحوالهم القولية والفعلية (٣).

جـ - أن العلماء القائلين بالمجاز اشترطوا تعقيبه بما يدل عليه ويدفع الحقيقة عنه، والمجاز العقلي القرينة المدعاة فيه ليست متصلة بالكلام حتى يؤول به (٤).

٢ - أن دعوى ابن حجر كون دعاء غير الله، والتوسل به، واللجوء إليه، مجازًا عقليًا باعتبار كونه إسنادًا للفعل إلى غير ملابس له لا يصح شرعًا؛ وذلك لِمَا يلي:

أ- أن المشركين الذين نزل فيهم القرآن الكريم وحكم بكفرهم كانوا يعتقدون السببية والتوسط، وهذه هي حجة من يرى المجاز العقلي ويبيح إسناد الدعاء لغير الله تعالى.

فلو أن اعتقاد السببية والتوسط ينفع في حمل كلام من يدعو غير الله


(١) انظر: الرسالة المدنية لابن تيمية (ص ٤٠).
(٢) انظر: حاشية الجوهر المكنون (ص ٤٨)، التلخيص في علوم البلاغة للقزويني (ص ٥٠ - ٥١).
(٣) انظر: معارج الألباب للنعمي (ص ١٧٨)، الصواعق المرسلة الشهابية لابن سحمان (ص ١٣٧).
(٤) انظر: تنبيه الغبي للبقاعي (ص ٢٢ - ٢٣)، ومنع جواز المجاز (ص ٥٢).

<<  <   >  >>