للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - أن العرب نطقت بالحقيقة والمجاز -عند من يدعيهما- على وجه واحد، فجَعْلُ هذا حقيقة، وهذا مجازًا ضرب من التحكم لأن اسم الأسد وضع للسبع كما وضع للرجل الشجاع (١).

٤ - أن من زعم أن الكلمة استخدمت حقيقة في الدلالة على معنى، ثم استخدمت مجازًا في الدلالة على معنىً آخر فقد ادعى دعوى لا برهان عليها ولا يمكن لبشر على وجه الأرض إثبات ذلك، ولا سبيل إلى العلم بذلك إلا بوحي من الله تعالى (٢).

٥ - أن بعض الكلمات العربية تدل على المعنى وضده كالجون يدل على السواد وعلى البياض، والقرء يدل على الطهر وعلى الحيض فأيهما حقيقة وأيهما مجاز؟ (٣).

هذا ومما ينبغي الإشارة إليه أن الذين أنكروا وجود المجاز لم ينكروا وجود تلك الأمثلة التي ضربها المثبتون له، وإنما ذهبوا إلى أن ذلك أسلوب من أساليب اللغة العربية وأن الكل حقيقة، والكلمة إذا استعملت في هذا الأسلوب فهي حقيقة، وإذا استعملت في أسلوب آخر فهي حقيقة أيضًا، والذي يحدد المعنى المراد منها هو السياق، ولا يمكن أن نقول إنها في هذا الأسلوب حقيقة وفي الآخر مجازية (٤).

ثانيهما: التسليم بذلك على قول من يقول بثبوت وقوع المجاز في اللغة، وبناء عليه يمكن الجواب عنه بجوابين:

١ - أن دعوى كون دعاء غير الله والتوسل به واللجوء إليه مجازًا عقليًا باعتبار كونه إسنادًا للفعل إلى غير ملابس له لا يصح لغة؛ وذلك لما يلي:

أ- أن العلماء الذين أثبتوا المجاز اتفقوا على أن الأصل في الكلام الحقيقة، وأنه لا يخرج عنها إلا بدليل قوي يصرفه إلى المجاز (٥)، والحقيقة


(١) انظر: المزهر (١/ ٣٦٥).
(٢) انظر: مختصر الصواعق (٢/ ٣٠).
(٣) انظر: الإيمان (ص ٨٨ - ٨٩).
(٤) انظر: الوصول إلى الأصول لابن برهان (١/ ٩٧ - ٩٨).
(٥) انظر: الخصائص لابن جني (٣/ ٤٤٢)، المزهر للسيوطي (١/ ٣٥٦، ٣٦١).

<<  <   >  >>