للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقولهم هذا مجانب للصواب، ومخالف للحس؛ ولهذا يقول الإمام ابن قتيبة رحمه اللهُ في الرد عليه: "ونحن نقول: إن الذي يذهب هذا مخالف للمسلمين واليهود والنصارى وجميع أهل الكتب ومخالف للأمم كلها" (١).

وما أجاب به ابن حجر رحمه اللهُ عن استدلالهم بقول تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦)} [طه: ٦٦]، موافق لجواب جمع من المفسرين (٢).

وقول ابن حجر -غفر الله له- بأن السحر منه ما هو كفر وفاعله كافر، ومنه ما هو كبيرة وفاعله عاصٍ موافق لِمَا عليه أصحابه الشافعية (٣)، خلافًا للجمهور القائلين بأن السحر كفر مطلقًا وأن الساحر كافر خارج من الملة (٤).

والحق أنه لا منافاة بين القولين؛ إذ الجمهور حينما حكموا على السحر بأنه كفر وقالوا بكفر الساحر مطلقا دون تفصيل نظروا إلى السحر بمعناه الشرعي، والشافعية حينما فصلوا في حكم السحر وجعلوا منه ما هو كفر ومنه ما هو كبيرة وفصلوا في حكم الساحر بناء على ذلك نظروا إلى السحر بمعناه اللغوي.

يقول الشيخ سليمان بن عبد الله (٥) رحمه اللهُ: "عند التحقيق ليس بين القولين اختلاف، فإن من لم يكفر لظنه أنه يتأتى بدون الشرك وليس كذلك بل لا يأتي السحر الذي من قبل الشياطين إلا بالشرك وعبادة الشياطين


(١) تأويل مختلف الحديث (ص ١٧٩).
(٢) انظر: تفسير الرازي (٣/ ٢١٢)، تفسير القرطبي (٢/ ٤٦) (٧/ ٢٥٩) (١١/ ٢٢٢)، تفسير ابن كثير (١/ ١٥٢)، أضواء البيان (٤/ ٤٣٧).
(٣) انظر: شرح صحيح مسلم (٤/ ١٦٧)، فتح الباري (١٠/ ٢٢٤).
(٤) انظر: حاشية ابن عابدين (٤/ ٢٤٠)، حاشية الخرشي على مختصر خليل (٨/ ٨٣)، شرح منتهى الإرادات للبهوتي (٣/ ٣٩٤).
(٥) هو سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، أحد أئمة الدعوة السلفية النجدية، محدث فقيه، من مؤلفاته: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، حاشية على المقنع في الفقه، الدلائل في عدم موالاة أهل الإشراك، توفي سنة ١٢٣٣ هـ.
انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون للبسام (٢/ ٣٤١)، علماء الدعوة لعبد الرحمن آل الشيخ (ص ٣٧).

<<  <   >  >>