للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما حكمه فيختلف باختلاف مقصد قائله:

فإن سب الدهر قاصدًا ما يقصده أهل الجاهلية من تأثيره وفعله من دون الله كما قال تعالى عنهم: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: ٢٤]. فهذا شرك أكبر.

وإن سبه مع خلو قصده مما تقدم كأن يجري سب الدهر على لسانه دون اعتقاد لفاعلية الدهر وتأثيره فهذا شرك أصغر؛ ووجهه أن ألفاظ سب الدهر فيها منازعة لله في ربوبيته فصارت شركًا من هذا لوجه، إضافة إلى كونها ذريعة إلى الشرك الأكبر (١).

وبناء على ما سبق فما قرره ابن حجر من التفصيل في حكم من سب الدهر على الوجه الذي ذكره، وقوله بكراهة ذلك إن أراد به سب الزمن، وتردده في الحكم عليه إن أطلق ولم يعين مراده باطل لوجوه، منها:

١ - أن النهي عن سب الدهر يقتضي التحريم مطلقًا لا الكراهة، إذ الأصل في النهي التحريم، فالعدول عنه إلى الكراهة يحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل على ذلك، فيبقى النهي على أصله.

٢ - أن سب الدهر إيذاء لله تعالى وشتم له سبحانه، وقد توعد الله من آذاه بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧)} [الأحزاب: ٥٧]، وجعل نسبة الولد إليه شتمًا له سبحانه كما في الحديث القدسي: "شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني وما ينبغي له، أما شتمه فقوله: إن لي ولدًا، وأما تكذيبه فقوله ليس يعيدني كما بدأني" (٢).

وإذا كان الأمر كذلك فلا يصح أن يقال فيما هو أذية لله وقرين لنسبة الولد إليه في الشتم إنه مكروه أو أن يتردد في حكمه.

٣ - أن سب الدهر دائر بين أمرين لا ثالث لهما وهما سب الله تعالى أو الشرك به، وكلاهما موجب للتحريم لا الكراهة.


(١) انظر: زاد المعاد (٢/ ٣٥٥)، وتيسير العزيز الحميد (ص ٦٠٩).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} برقم (٣١٩٣) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- به.

<<  <   >  >>