للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا تقرر ذلك فالتوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لفظ مجمل مشترك ترد عليه الأنواع المشروعة والممنوعة حسب مورد التوسل به واعتباراته وبكون حكمه تابعًا لحكمها.

فإن أريد به التوسل بالإيمان به ومحبته، أو التوسل بطلب الدعاء منه حال حياته -صلى الله عليه وسلم- فهو توسل مشروع.

وإن أريد به التوسل بسؤاله ودعائه، أو طلب الدعاء منه بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-، أو التوسل بذاته أو جاهه وحقه فهو توسل ممنوع (١).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لفظ التوسل بالشخص، والتوجه به، والسؤال به، فيه إجمال واشتراك غلط بسببه من لم يفهم ...

يراد به التسبب به لكونه داعيًا وشافعًا مثلًا، أو لكون الداعي محبًا له مطيعًا لأمره، مقتديًا به، فيكون التسبب إما لمحبة السائل له واتباعه له، وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته.

ويراد به الإقسام به والتوسل بذاته، فلا يكون التوسل لا لشيء منه، ولا لشيء من السائل بل بذاته، أو بمجرد الإقسام به على الله.

فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه" (٢).

وعليه فقول ابن حجر باستحباب التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بمعنى طلب الدعاء منه بعد وفاته، أو السؤال بحقه وجاهه قول باطل؛ إذ هو بهذا المعنى توسل ممنوع لا يجوز، فلم يكن الصحابة والتابعون وأتباعهم يفعلونه ولو كان مشروعًا لكانوا أولى الناس به، فإنهم عدلوا عن الاستسقاء به إلى الاستسقاء بعمه، ولم يعرف عن أحد منهم أنه توسل بجاه النبي -صلى الله عليه وسلم- وحقه (٣).

وأما زعمه كون السؤال به -صلى الله عليه وسلم- ليس سؤالًا له، واعتماده على ذلك


(١) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٧٩٣)، قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص ٨٢)، كشف ما ألقاه إبليس لعبد الرحمن بن حسن (ص ٢١٧)، الكشف المبدي للفقيه (ص ٢٦٣)، القول الجلي لمحمد أحمد خضر (ص ٥٤).
(٢) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٧٩٣).
(٣) انظر: اللمعة في الأجوبة السبعة لابن تيمية (ص ٣٦)، قاعدة جليلة (ص ١١٥)، كشف ما ألقاه إبليس (ص ٢١٥ - ٢١٦).

<<  <   >  >>