وهذا ما عبر عنه ابن حجر بقوله السابق:"إن الله خالق الجهات والأمكنة ومحدثها بعد أن لم تكن فهي لحدوثها مستحيلة على الله تعالى".
والجواب عن ذلك من وجوه:
١ - أن هذا الاعتراض ناتج عن قولهم: إن إثبات الصفات -ومنها العلو- يقتضي التجسيم، وهذا باطل، وقد سبق الجواب عنه (١).
٢ - "أن الجهة ... من الأمور التي فيها إضافة ونسبة، فإنه يقال: هذه جهة هذا ... والجهة أصلها الوجهة التي يتوجه إليها الشيء كما يقال: عِدَة ووعد، وزِنَة ووزن ... وإذا كان كذلك فالجهة تضاف تارة إلى المتوجِّه إليها، كما يقال في الإنسان له ست جهات لأنه يمكنه التوجه إلى النواحي الست المختصة به التي يقال إنها جهاته، والمصلي يصلي إلى جهة من الجهات لأنه يتوجه إليها.
وهنا تكون الجهة ما يتوجه إليه المضاف.
وتارة تكون الجهة ما يتوجه منها المضاف كما يقول القائل إذا استقبل الكعبة: هذه جهة الكعبة ...
وإذا كان هذا هو المعروف من لفظ الجهة ... في الموجودات المخلوقة، فإنه إذا قيل: إن الخالق سبحانه في جهة، فإما أن يراد في جهة له، أو في جهة لخلقه.
فإن قيل: في جهة له، فأما أن تكون جهة يتوجه منها، أو جهة يتوجه إليها.
وعلى التقديرين فليس فوق العالم شيء غير نفسه، فهو جهة نفسه لا يتوجه منها إلى شيء موجود خارج العالم، ولا يتوجه إليها من شيء موجود خارج العالم، وليس هناك شيء موجود غير نفسه يتوجه منه ولا يتوجه إليه.
ومن قال: إن العالم هناك في جهة بهذا الاعتبار فقد صدق.
ومن قال: إنه جهة نفسه بهذا الاعتبار فقد قال معنى صحيحًا.