للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن قال: إنه فوق المخلوقات كلها في جهة موجودة يتوجه إليها، أو يتوجه منها خارجة عن نفسه فقد كذب ...

وعلى كل تقدير فمن قال: إنه فوق العالم لم يقل إنه ... في جهة موجودة خارجة عن نفسه" (١).

٣ - أن لفظ الجهة إما أن يراد بها جهة مخلوقة أو جهة عدمية.

فإن أريد بها جهة مخلوقة فلا شك في بطلان ذلك، فإن الله ليس في جهة بهذا المعنى؛ لأن الله تعالى ليس في مخلوق ولا المخلوق في الله تعالى، بل الله تعالى بائن عن المخلوقات كلها.

وإن أريد بها جهة عدمية غير مخلوقة، وهي أن الله تعالى فوق هذا العالم ووراء هذا الكون فهذا المعنى صحيح؛ لأن وراء هذا الكون ليس جهة مخلوقة حتى تكون ظرفًا لله تعالى ولا يكون مظروفًا فيها.

والقول بالجهة بهذا المعنى -أي: المعنى العدمي- هي مراد من أطلق الجهة على الله من السلف.

وإذا تقرر كون المراد بالجهة أمرًا عدميًا لا وجوديًا لم يصح أن يقال: إن إثبات ذلك يستلزم أن يكون الله تعالى محتاجًا إليها (٢).

٤ - أن لفظ الجهة فيه إجمال وهو لفظ اصطلاحي يُراد به معان متنوعة، ولم يرد في الكتاب والسنة لابنفي ولا إثبات، ولا جاء عن أحد من سلف الأمة وأئمتها فيه نفي ولا إثبات أصلًا، فالمعارضه به ليست معارضة بدلالة شرعية، فاللفظ الذي ورد في الكتاب والسنة أو الإجماع يجب القول بموجبه سواء فهمنا معناه أو لم نفهمه.

وأما الذي لم يرد به دليل شرعي فلا ينفى ولا يثبت حتى يستفسر من المتكلم بذلك، فإن أثبت حقًّا أثبتناه، وإن أثبت باطلًا رددناه، وإن نفى


(١) بيان تلبيس الجهمية (٢/ ١١٧ - ١١٩).
(٢) انظر: التدمرية (ص ٦٦ - ٦٧)، مجموع الفتاوى (٣/ ٤١ - ٤٢) (٤/ ٥٨ - ٥٩) (٥/ ٢٦٢ - ٢٦٣) (٦/ ٣٨ - ٤٠)، درء التعارض (١/ ٢٥٣ - ٢٥٤)، التسعينية (١/ ١٩٢)، جلاء العينين (ص ٣٥٩)، غاية الأماني للألوسي (١/ ٧٧، ٤٩٣).

<<  <   >  >>