للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة وأئمتها على إثبات صفة الكلام لله تعالى، ونقل إجماعهم غير واحد من أهل العلم (١).

يقول ابن حزم رحمهُ اللهُ: "أجمع أهل الإسلام على أن الله تعالى كلم موسى، وعلى أن القرآن كلام الله، وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف" (٢).

وأما العقل: فإن الكلام صفة كمال، وضدها البكم والخرس صفة نقص، والبكم والخرس إن وجدت في المخلوق العاجز الضعيف كانت نقصًا بينًا، فكيف يصح إثباتها لمن له الكمال المطلق سبحانه؟ وكيف يهب عبده الكمال ويتصف بالنقص؟ تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

ولقد جاء القرآن الكريم بتقرير هذا المعقول أحسن تقرير، فقال تعالى في العجل الذي اتخذه قوم موسى إلهًا يعبدونه من دون الله: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} [الأعراف: ١٤٨]، وقال: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} [طه: ٨٩] فعاب العجل بكونه قد سُلب صفة الكلام، فدل على أن سلبها صفة نقص لا تليق بالإله المعبود، وما كان ليعيب إلههم الباطل، بما هو عيب فيه، تعالى وتقدس (٣).

وأهل السنة والجماعة يثبتون الكلام صفة قائمة بذات الله، ويقولون إنه لم يزل متكلمًا ولا يزال، وأن كلامه تعالى متعلق بمشيئته واختياره، وأنه مسموع بالآذان حقيقة من غير توهم، وأنه بحرف وصوت، وأن القرآن الكريم من كلامه سبحانه بحروفه ومعانيه، تكلم الله به على الحقيقة (٤).


(١) ممن حكى الإجماع على ذلك الأشعري في رسالته لأهل الثغر (ص ٢١٤)، وقوام السنة في الحجة (١/ ٣٣١، ٣٣٢)، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١٢/ ٣٠٤).
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل (٣/ ١١).
(٣) انظر: شرح العقيدة الطحاوية (١/ ١٧٥).
(٤) انظر: خلق أفعال العباد (ص ١٣ - ٢٨)، الرد على الجهمية للدارمي (ص ١٧١ - ١٨٦)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (٢/ ٢٢٧ - ٣١٢)، عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني (ص ١٦٥)، الحجة في بيان المحجة (١/ ٢٢٧ - ٢٣٠، ٢٥٣ - ٢٨٠) =

<<  <   >  >>