للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكون القرآن الكريم بألفاظه ومعانيه معجزًا ومتحدًا به دون الكلام النفسي قد اعترف به غير واحد من الأشاعرة والماتريدية، وعده بعضهم مشكلًا على قول الأشعري وأصحابه (١).

٥ - أن الكلام النفسي شيء معدوم محض لا وجود له ولا عبرة به، فلا تتعلق به الأحكام لا نفيًا ولا إثباتًا، ولا إيجابًا ولا سلبًا؛ لأنه إن قُدر تصوره فهو من قبيل حديث النفس وخواطرها ووساوس القلب وهواجس الصدور، فلا يحل به حرام ولا يحرم به حلال، ولا يدخل به المرء في الإسلام ولا يخرج به عن الإسلام إلى الكفر ولا يقع به الطلاق ولا العتاق، ولا تفسد به الصلاة بالاتفاق (٢).

ولهذا يقول الزركشي (٣) مقرًا بذلك: "واعلم أنه لم يفرع أئمتنا على الكلام النفسي، ولا اعتبروه بمجرده في إثبات العقود، ولا في فسخها، ولم يوقعوا العتاق، والطلاق بالنية؛ وإن صمم بقلبه؛ لأن النية غير المنوي، فلا يستلزم أحدهما الآخر ... " (٤).

٦ - أن القول بذلك يلزم منه لوازم باطلة، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم، ومن تلك اللوازم: تشبيه الله بالأخرس، والقول بنفي الحرف والصوت وأنه سبحانه يتكلم بمشيئته واختياره، وجعل القرآن العربي ليس من كلام الله الذي تكلم به، وأن يكون القرآن والتوراة والإنجيل كلها بمعنى واحد والاختلاف بينها بحسب التعبير عنها باللغات (٥).


(١) كالإيجي فيما نقله عنه الجرجاني في شرح المواقف (٨/ ١٠٣ - ١٠٤)، عن مقالة له مفردة في تحقيق كلام الله، والجرجاني في شرح المواقف (٨/ ١٠٣ - ١٠٤)، والعصام في حاشيته على شرح العقائد النسفية (ص ١٨٨ - ١٨٩).
(٢) انظر: البرهان في بيان القرآن (ص ٧٧)، الإيمان لابن تيمية (ص ١٣١ - ١٣٢)، مجموع الفتاوى (٧/ ١٣٧ - ١٣٨)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أي العز (١/ ٢٠١).
(٣) هو محمد بن بهادر بن عبد الله، بدر الدين، المشهور بالزركشي، أشعري شافعي، من مؤلفاته: البحر المحيط في أصول الفقه، والبرهان في علوم القرآن وغيرها، توفي سنة (٧٩٤ هـ). انظر: الدرر الكامنة (٤/ ١٧)، وشذرات الذهب (٦/ ٣٣٥).
(٤) البحر المحيط (٢/ ٦٥).
(٥) انظر: درء التعارض (٢/ ١١٤ - ١١٥) (٦/ ٢٨٨)، مختصر الصواعق المرسلة (٢/ ٢٩٤ - ٢٩٥).

<<  <   >  >>