للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واضطرب الأشاعرة ومن وافقهم في ذلك، وتعددت أقوالهم، نتيجة لزعمهم أن كلام الله معنى قائم بنفسه، وأنه ليس بحرف ولا صوت (١).

وقد حكى ابن حجر اختلافهم في هاتين المسألتين وأقوالهم فيها، والذي يعنيني هنا هو ما اختاره من هذه الأقوال، ورجحه على غيره، وهو القول بأن المنزل هو اللفظ والمعنى، وأن معنى نزوله هو أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذه بالتلقي الروحاني، أو من اللوح المحفوظ.

وقد أفاض شيخ الإِسلام في بيان هاتين المسالتين، وذكر الحق فيهما بما لا مزيد عليه، وفيما يلي طرف من كلامه.

قال - رَحِمَهُ الله -: "القرآن العظيم كلام الله العزيز العليم، ليس شيء منه كلامًا لغيره لا جبريل ولا محمد ولا غيرهما، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٠١) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)} [النحل: ٩٨ - ١٠٣].

فأمره أن يقول: "نزّله روح القدس من ربك بالحق والضمير في قوله: "قل نزّله" عائد على ما في قوله: "بما ينزل" والمراد به القرآن، كما يدل عليه سياق الكلام ...

وقوله: "نزله روح القدس من ربك بالحق"، بيان لنزول جبريل به من الله، فإن روح القدس هنا هو جبريل، بدليل قوله: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ٩٧] ...


= (٢٢٠ - ٢٢١)، شرح العقيدة الطحاوية (١/ ١٧٤ - ١٨٥)، توضيح المقاصد لابن عيسى (١/ ٢٧٥)، فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (١/ ٢١٤ - ٢٣٩).
(١) انظر: الإنصاف للباقلاني (ص ٩٦ - ٩٧)، الإرشاد للجويني (ص ٣٠)، شرح المقاصد (٤/ ١٥٢ - ١٥٦)، غاية المرام للآمدي (ص ١١١)، تحفة المريد للباجوري (ص ٩٥).

<<  <   >  >>