للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الآية تبطل قول من يقول إن القرآن العربي ليس منزلًا من الله بل مخلوق: إما في جبريل أو محمد أو جسم آخر غيرهما، كما يقول ذلك الكلابية والأشعرية الذين يقولون إن القرآن العربي ليس هو كلام الله، وإنما كلامه المعنى القائم بذاته، والقرآن العربي خلق ليدل على ذلك المعنى، ثم إما أن يكون خلق في بعض الأجسام الهواء أو غيره، أو ألهمه جبريل فعبر عنه بالقرآن العربي، أو ألهمه محمدًا فعبر عنه بالقرآن العربي، أو يكون أخذه جبريل من اللوح المحفوظ أو غيره، فهذه الأقوال التي تقدمت هي تفريع على هذا القول، فإن هذا القرآن العربي لا بد له من متكلم تكلم به أولًا قبل أن يصل إلينا ...

والمقصود هنا أن هذه الآية تبين بطلان هذا القول، كما تبين بطلان غيره؛ فإن قوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} يقتضي نزول القرآن من ربه، والقرآن اسم للقرآن العربي لفظه ومعناه بدليل:

قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [النحل: ٩٨]، وإنما يقرأ القرآن العربي لا يقرأ معانيه المجردة.

وأيضًا فضمير المفعول في قوله: "نزّله" عائد على ما في قوله: "والله أعلم بما ينزل" فالذي أنزله الله هو الذي نزّله روح القدس، فإذا كان روح القدس نزل بالقرآن العربي لزم أن يكون نزّله من الله، فلا يكون شيء منه نزّله من عين من الأعيان المخلوقة، ولا نزّله من نفسه.

وأيضًا فإنه قال عقيب هذه الآية: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)} [النحل: ١٠٣]، وهم كانوا يقولون: إنما يعلمه هذا القرآن العربي بشر ... والله أبطل ذلك بأن لسان ذلك أعجمي وهذا لسان عربي مبين، فعُلم أن روح القدس نزل باللسان العربي المبين، وأن محمدًا لم يؤلف نظم القرآن بل سمعه من روح القدس، وإذا كان روح القدس نزل به من الله عُلم أنه سمعه منه ولم يؤلفه هو، وهذا بيان من الله أن القرآن الذي هو اللسان العربي المبين سمعه روح القدس من الله ونزل به منه.

<<  <   >  >>