للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونظير هذه الآية قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: ١١٢]، إلى قوله: {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: ١١٢]. وكذلك قوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [الأنعام: ١١٤] " (١).

وبناء على ما سبق فما ذهب إليه ابن حجر - غفر الله له - في هاتين المسألتين متعقب بما يلي:

أولًا: أن قوله بأن المنزل من القرآن اللفظ والمعنى يناقض قوله بأن كلام الله سبحانه لفظ مشترك بين المعنى القائم بذاته تعالى الذي هو صفته وبين اللفظ المؤلف الذي هو خلقه.

ووجه ذلك: أن القول بأن القرآن منزل من الله، وأن المنزل منه اللفظ والمعنى يقضي أن القرآن لفظًا ومعنى هو من عند الله، بينما يرى ابن حجر أن القرآن معناه من الله تعالى وهو الكلام القائم بذاته، وأما لفظه فهو لفظ جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أو محمد - صلى الله عليه وسلم - كما سبق - (٢).

وعليه فإن ابن حجر وإن وافق أهل السنة في ظاهر اللفظ، إلا أنه خالفهم في حقيقة المعنى المراد به.

ثانيًا: أن قوله بأن معنى نزول القرآن هو أن جبريل أخذه بالتلقي الروحاني أو من اللوح المحفوظ باطل من وجوه:

١ - أن قوله هذا مبني على ما ذهب إليه في كلام الله سبحانه حيث زعم أن كلام الله تعالى الذي هو صفته معنى قائم بالنفس وأنه ليس بحرف ولا صوت، وليس بمسموع على الحقيقة - وقد سبق نقل ذلك عنه وبيان بطلانه - (٣) ولا شك أن ما بني على باطل فلا بد أن يكون باطلًا.

٢ - أن لفظ الإنزال ورد في النصوص مطلقًا ومقيدًا، ولم يرد مقيدًا بالإنزال منه سبحانه إلا في حق القرآن، فدل ذلك على أن نزول


(١) مجموع الفتاوى (١٢/ ١١٧ - ١٢٤).
(٢) انظر: (ص ٣٢٧).
(٣) انظر: (ص ٣٢٧).

<<  <   >  >>