للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تابعًا يوم القيامة" (١).

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه: "قوله: "وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ" أي: أن معجزتي التي تحديت بها، الوحي الذي أنزل علي، وهو القرآن، لما اشتمل عليه من الإعجاز الواضح، وليس المراد حصر معجزاته فيه، ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدّمه، بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اختص بها دون غيره" (٢).

وفي تقرير هذه المعاني، وبيان دلالتها على نبوته -صلى الله عليه وسلم- يقول الحافظ البيهقي رحمه الله: "من دلائل نبوته -صلى الله عليه وسلم- أنه كان أمِّيًا لا يخط كتابًا بيمينه، ولا يقرؤه، ولد في قوم أميِّين، ونشأ بين ظهرانيهم في بلد ليس بها عالم يَعرِفُ أخبار المتقدمين، وليس فيهم مُنجِّم يتعاطى علم الكوائن ... وكل ذلك معلوم عند أهل بلده، مشهود عند ذوي المعرفة والخبرة بشأنه، يعرفه العالم والجاهل، والخاص والعام منهم، فجاءهم بأخبار التوراة والإنجيل والأمم الماضية، وقد كان ذهب معالم تلك الكتب، ودرست، وحُرِّفت عين مواضعها، ولم يبق من المتمسكين بها، وأهل المعرفة بصحيحها من سقيمها إلا القليل، ثم حاجَّ كل فريق من أهل الملل المخالفة له بما لو احتشد له حُذَّاق المتكلمين، وجهابذة المحصلين، لم يتهيأ لهم نقض شيء منه، فكان ذلك من أدل شيء على أنه أمر من عند الله عز وجل" (٣).

٣ - أن ما قرره من كون إعجاز القرآن لا ينحصر في وجه دون آخر موافق لقول المحققين من أهل العلم (٤).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "كون القرآن معجزة ليس هو من جهة بلاغته وفصاحته فقط، أو نظمه وأسلوبه فقط، ولا من جهة إخباره بالغيب فقط ... بل هو آية بينة معجزة من وجوه متعددة، من جهة اللفظ،


(١) أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزول الوحي وأول ما نزل (٣/ ١٦٠٧) برقم (٤٩٨١)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى جميع الملل ونسخ الملل بملته (١/ ١٣٤) برقم (٢٣٩) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- به.
(٢) فتح الباري (٩/ ٦).
(٣) الاعتقاد والهداية (ص ٢٠٩).
(٤) انظر: البرهان في علوم القرآن (٢/ ٢٣٧)، الإتقان في علوم القرآن (٤/ ١٤ - ١٧).

<<  <   >  >>