للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)} [طه: ١١٢]، قال المفسّرون: لا يخاف أن يحمل عليه سيّئات غيره، ولا ينقص من حسناته، وقيل: يظلم بأن يؤاخذ بما لم يعمل، وقيل: لا يخاف ألا يجزى بعمله (١).

وبناء على ما سبق فما قرّره ابن حجر -عفا الله عنه- في هذه المسألة، وعزاه للجمهور هو قول أصحابه الأشاعرة.

والرّدّ عليهم من طريقين:

أحدهما: النّقض، فيقال:

أولًا: إنّ الله مدح نفسه بعدم إرادة الظّلم، وعدم فعله، والمحال الذي لا يمكن، ولا يكون، لا يصحّ أن يمدح بعدم إرادته ولا فعله، ولا يحمد عليه؛ لأنّه ممتنع في نفسه وإنّما يكون المدح بترك الأفعال لمن هو قادر عليها، وتَنَزّه عنها (٢).

ثانيًا: إنّ القول بأنّ الظّلم هو التّصرّف في ملك الغير، غير مطّرد ولا منعكس؛ فإنّ الإنسان قد يتصرّف في ملك غيره بحقّ ولا يكون ظالمًا، وقد يتصرّف في ملكه بغير حقّ فيكون ظالمًا، وظلم العبد نفسه كثير في القرآن الكريم (٣).

وكذا القول بأنّ الظّلم مخالفة الآمر الذي تجب طاعته وأنّه لا يكون إلا من مأمور منهي فإنّه باطل، بدلالة الحديث المتقدّم "إنّي حرّمت الظّلم على نفسي" فالله تعالى هو من كتب على نفسه الرّحمة، وحرّم على نفسه الظّلم (٤).

ثالثًا: أنّ نفي الظّلم عن الله تعالى بطريق السّلب المحض باطل؛ لأمرين:


(١) انظر: تفسير ابن جرير (٨/ ٤٦٢)، تفسير ابن أبي زمنين (٣/ ١٢٩)، ثفسير السمعاني (٣/ ٣٥٧)، تفسير البغوي (٥/ ٢٩٦٠)، تفسير ابن كثير (٣٠/ ١٨٤).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (١٨/ ١٤٤)، مفتاح دار السعادة (٢/ ١٠٦)، شفاء العليل (٢/ ٧٥٤)، شرح الطحاوية (٢/ ٦٦٠).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (١٨/ ١٤٥).
(٤) انظر: شرح الطحاوية (٢/ ٦٦٠).

<<  <   >  >>