فأخبر سبحانه أنّ فعلهم فاحشة قبل نهيه عنه، وأمر باجتنابه بأخذ الزينة ...
ثم قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} أي: لا يأمر بما هو فاحشة في العقول والفطر، ولو كان إنّما عُلم كونه فاحشة بالنّهي، وأنّه لا معنى لكونه فاحشة إلا تعلّق النّهي به، لصار معنى الكلام: إنّ الله لا يأمر بما ينهى عنه، وهذا يُصان عن التّكلّم به آحاد العقلاء فضلًا عن كلام العزيز الحكيم ...
ثم قال:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف: ٣٢] دلّ على أنّه طيّب قبل التّحريم، وأنّ وصف الطّيب فيه مانع من تحريمه مناف للحكمة.
ثم قال:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}[الأعراف: ٣٣]، ولو كان كونها فواحش إنّما هو لتعلّق التّحريم بها، وليست فواحش قبل ذلك، لكان حاصل الكلام: قل إنّما حرّم ربّي ما حَرَّم. وكذلك تحريم الإثم والبغي، فكون ذلك فاحشة وإثمًا وبغيًا بمنزلة كون الشّرك شركًا، فهو شرك في نفسه قبل النّهي وبعده ... " (١).
وعليه فما قرّره ابن حجر - عفا الله عنه - في هذه المسألة موافق لقول الأشاعرة والرّدّ عليه من طريقين: