للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما: النّقض، فيقال:

أولًا: إنّ القول بأنّ التّحسين والتّقبيح شرعيّان لا عقليّان مبني على القول بعدم تعليل أفعال الله تعالى - وهو ما قرّره الأشاعرة ومنهم ابن حجر - والتزموا لوازمه (١)، وهو باطل - كما سيأتي (٢) - وما بني على باطل فهو باطل.

ثانيًا: إنّ ما قرّره الأشاعرة ومنهم ابن حجر في التّحسين والتّقبيح يناقض قولهم بوجوب النّظر أو القصد إليه - كما سبق - (٣) وقولهم بالكمال والنّقص في الأفعال وأنّها تُدرك بالعقل؛ إذ الكمال بمعنى التّحسين والنّقص بمعنى التّقبيح (٤).

ثالثًا: أنّ القول بأنّ التّحسين والتّقبيح شرعيّان لا عقليّان يلزم منه أن تكون الأفعال كلّها سواء في نفس الأمر، وأنّها غير منقسمة في ذواتها إلى حسن وقبيح، ومصلحة ومفسدة، فلا فرق بين السّجود للرّحمن والسّجود للشّيطان، ولا بين الصّدق والكذب، ولا بين العدل والظّلم سوى في الأمر والنّهي، وهو من أبطل الباطل (٥).

رابعًا: أنّ أئمّة الأشاعرة القائلين بهذا القول قد اضطربوا في سياق أدلّته وتقريرها، وقدح بعضهم في أدلّة بعض؛ بما يضعف قولهم، ويغني عن تكلّف البحث فيه (٦).

وما ذكره ابن حجر - غفر الله له - من الاستدلال عليه بقوله - عز وجل -: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥] متعقب بكون الآية إنّما تدلّ على عدم المؤاخذة على الأفعال قبل إرسال الرّسل وورود الشّرع، دون نفي الحسن والقبح عن الأفعال نفسها - وهي محلّ البحث هنا - (٧).


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٢٨).
(٢) انظر: (ص ٦٠٦).
(٣) انظر: (ص ١٠٩).
(٤) انظر: إيقاظ الفكرة (١/ ٤٦٥).
(٥) انظر: مدارج السالكين (١/ ٢٣٠).
(٦) انظر: المحصول للرازي (١/ ١٢٤) وما بعدها، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (١/ ٨٢) وما بعدها، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (١/ ٢٠٢) وما بعدها.
(٧) انظر: تفسير ابن جرير (٨/ ٥٠)، تفسير ابن كثير (٣/ ٣٣).

<<  <   >  >>