للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرًا وباطنًا سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلًا له، أو كان ذاهلًا عن اعتقاده. هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل" (١).

ويقول: "لو أخذ يلقي المصحف في الحش، ويقول أشهد أن ما فيه كلام الله، أو جعل يقتل نبيًّا من الأنبياء، ويقول أشهد أنه رسول الله، ونحو ذلك من الأفعال التي تنافي إيمان القلب، فإذا قال أنا مؤمن بقلبي مع هذه الحال كان كاذبًا فيما أظهره من القول" (٢).

والحكم بالكفر هنا إنما هو للفعل لا للفاعل، إذ لا يلزم من الحكم بكفر الفعل تكفير الفاعل؛ لكون تكفيره يتوقف على وجود الشروط وانتقاء الموانع.

والثاني: ما يحتمل الكفر وعدمه:

كالسجود لغير الله، وإفشاء سر المسلمين لعدوهم ونحو ذلك؛ فإن هذه الأعمال تحتمل الكفر وعدمه، فالمعتبر فيها قصد من عملها ونيته وقرائن أحواله.

فالسجود لغير الله يحتمل أن يكون عبادة وقربة، فهو حينئذ كفر، ويحتمل أن يكون تعظيمًا وتحية، فهو حينئذ معصية؛ ولهذا لم يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفر معاذ - رضي الله عنه - بمجرد سجوده له، وإنما استفصل منه (٣).

ففي الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: "لَمّا قدم معاذ من الشام سجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما هذا يا معاذ؟ قال: أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت


(١) الصارم المسلول (٣/ ٩٥٥).
(٢) مجموع الفتاوى (٧/ ٦١٦)، وانظر: شرح الأصفهانية (ص ١٤٢)، أعلام الموقعين (٣/ ١٠٧).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٤/ ٣٦٠).

<<  <   >  >>