للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرأة أن تسجد لزوجها" (١).

وكذا إفشاء سر المسلمين لعدوهم يحتمل الموالاة والإعانة، وهو حينئذ كفر، ويحتمل إرادة مصلحة دنيوية، وهو حينئذ معصية؛ ولهذا لم يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفر حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - بمجرد مكاتبته لقريش بأمر مسير الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين إليهم لفتح مكة، وإنما استفصل منه (٢).

ففي الحديث عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "ما هذا يا حاطب؟ قال: لا تعجَل عليَّ يا رسول الله، إني كنت امرءًا من قريش ولم أكن من أنفسهم، وكان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصنع إليهم يدًا يحمون قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني فقال رسول الله: إنه صدقكم، فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه، فقال: إنه شهد بدرًا وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" (٣).

وبما سبق يُعلم خطأ ابن حجر -غفر الله له- في إطلاق القول بأن المدار في الحكم بالكفر على الظواهر وأنه لا نظر إلى المقاصد أو النيات أو القرائن من جهة، ومناقضة قوله هذا لِمَا سبق نقله عنه من كون الحكم بالكفر في حق من ظهر منه قول أو عمل مكفر إنما هو بسبب كونه دليلًا على تكذيب القلب أو عدم الانقياد الباطن من جهة أخرى.


(١) أخرجه ابن ماجه، كتاب النكاح، باب حق الزوج على المرأة (١/ ٥٩٥) برقم (١٨٥٣)، وعبد الرزاق (١١/ ٣٠١) برقم (٢٠٥٩٦)، وأحمد (٣٢/ ١٤٥) برقم (١٩٤٠٣)، وابن حبان (٩/ ٤٧٩) برقم (٤١٧١)، والبيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٢٩٢) من طرق عن القاسم بن عوف الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -.
قال الهيثمي في المجمع (٤/ ٣٠٩): "رجاله رجال الصحيح"، والحديث له شواهد من حديث معاذ بن جبل، وزيد بن أرقم، وصهيب وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم -.
(٢) انظر: الأم (٤/ ٢٦٤).
(٣) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرًا (٣/ ١٢١٥) برقم (٣٩٨٥)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بدر وقصة حاطب (٤/ ١٩٤١) برقم (٢٤٩٤).

<<  <   >  >>