للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٢٢٦٦] من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي قَالَ بعض الْعلمَاء خص الله سُبْحَانَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن رُؤْيا النَّاس إِيَّاه صَحِيحَة وَكلهَا صدق وَمنع الشَّيْطَان أَن يتَصَوَّر فِي خلقته لِئَلَّا يتدرع بِالْكَذِبِ على لِسَانه فِي النّوم وكما خرق الله تَعَالَى الْعَادة للأنبياء بالمعجزة دَلِيلا على صِحَة حَالهم وكما اسْتَحَالَ ان يتَصَوَّر الشَّيْطَان فِي صورته فِي الْيَقَظَة إِذْ لَو وَقع لاشتبه الْحق بِالْبَاطِلِ وَلم يؤثق بماجاء من جِهَة النُّبُوَّة مُخَالفَة من هَذَا التَّصَوُّر فحماها الله من الشَّيْطَان ونزغه ووسوسته وإلقائه وكيده على الْأَنْبِيَاء وَكَذَلِكَ حمى رؤياهم أنفسهم ورؤيا غير النَّبِي للنَّبِي عَن تمثل الشَّيْطَان بذلك لتصح رُؤْيَاهُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَيكون طَرِيقا إِلَى علم صَحِيح لَا ريب فِيهِ قَالَ القَاضِي وَالْمرَاد إِذا رَآهُ فِي صفته الْمَعْرُوفَة لَهُ فِي حَيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن رُؤِيَ على خلَافهَا كَانَت رُؤْيا تَأْوِيل لَا حَقِيقَة وَقَالَ النَّوَوِيّ هَذَا الَّذِي قَالَه القَاضِي ضَعِيف بل الصَّحِيح أَنه يرَاهُ حَقِيقَة سَوَاء كَانَ على صفته الْمَعْرُوفَة أَو غَيرهَا وأيده الْحَافِظ بن حجر بِمَا أخرجه بن أبي عَاصِم بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِنِّي أرى فِي كل صُورَة من رَآنِي فِي الْمَنَام فسيراني فِي الْيَقَظَة بِفَتْح الْقَاف قَالَ النَّوَوِيّ فِيهِ أَقْوَال أَحدهَا المُرَاد بِهِ أهل عصره وَمَعْنَاهُ أَن من رَآهُ فِي النّوم وَلم يكن هَاجر يوفقه الله سُبْحَانَهُ تَعَالَى لِلْهِجْرَةِ ورؤيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْيَقَظَة عيَانًا وَالثَّانِي مَعْنَاهُ أَن يرى تَصْدِيق تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي الْيَقَظَة وصحتها وَأبْعد أَن يكون مَعْنَاهُ سيراني فِي الدَّار الْآخِرَة لِأَنَّهُ يرَاهُ فِي الْآخِرَة جَمِيع أمته من رَآهُ فِي الدُّنْيَا وَمن لم يره وَالثَّالِث يرَاهُ فِي الْآخِرَة رُؤْيَة خَاصَّة من الْقرب مِنْهُ وَحُصُول شَفَاعَته وَنَحْو ذَلِك انْتهى وَحمله بن أبي جَمْرَة وَطَائِفَة على انه يرَاهُ فِي الدُّنْيَا حَقِيقَة ويخاطبه وَأَن ذَلِك كَرَامَة من كرامات الْأَوْلِيَاء وَنقل عَن جمَاعَة من الصَّالِحين أَنهم رَأَوْا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام ثمَّ رَأَوْهُ بعد ذَلِك فِي الْيَقَظَة وسألوه عَن أَشْيَاء كَانُوا مِنْهَا متخوفين فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى طَرِيق تفريجها ثمَّ ذكر أَن الحَدِيث عَام فِي أهل التَّوْفِيق وَأما غَيرهم فعلى الِاحْتِمَال فَإِن خرق الْعَادة قد يَقع للزنديق بطرِيق الْإِمْلَاء والإغراء كَمَا يَقع للصديق بطرِيق الْكَرَامَة وَالْإِكْرَام وَإِنَّمَا تحصل التَّفْرِقَة بَينهمَا بِاتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة وَقَالَ بن حجر هَذَا مُشكل جدا لِأَنَّهُ يلْزم أَن يكون هَؤُلَاءِ صحابة وَتبقى الصَّحَابَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَلِأَن جمعا مِمَّن رَآهُ فِي الْمَنَام لم يره فِي الْيَقَظَة وَخبر الصَّادِق لَا يتَخَلَّف وَأَقُول الْجَواب عَن الأول منع الْمُلَازمَة لِأَن شَرط الصُّحْبَة أَن يروه وَهُوَ فِي عَالم الدُّنْيَا وَذَلِكَ قبل مَوته وَأما رُؤْيَته بعد الْمَوْت وَهُوَ فِي عَالم البرزخ فَلَا تثبت بهَا الصُّحْبَة وَعَن الثَّانِي أَن الظَّاهِر أَن من يبلغ دَرَجَة الكرامات مِمَّن هُوَ فِي عُمُوم الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا تقع لَهُ رُؤْيَته قرب مَوته عِنْد طُلُوع روحه فَلَا يتَخَلَّف الحَدِيث وَقد وَقع ذَلِك لجَماعَة وَأما أصل رُؤْيَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْيَقَظَة فقد نَص على إمكانها ووقوعها جمَاعَة من الْأَئِمَّة مِنْهُم حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ وَالْقَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ وَالشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَابْن أبي جَمْرَة وَابْن الْحَاج واليافعي فِي آخَرين ولي فِي ذَلِك مؤلف

<<  <  ج: ص:  >  >>