[١٤٤] فتْنَة الرجل فِي أَهله وَمَاله هِيَ فرط محبته لَهُم وشحه عَلَيْهِم وشغله بهم عَن كثير من الْخَيْر وتفريطه فِيمَا يلْزمه من الْقيام بحقوقهم وتأديبهم وتعليمهم تموج تضطرب وتدفع بَعْضهَا بَعْضًا وَشبههَا بموج الْبَحْر لشدَّة عظمها وَكَثْرَة شيوعها فأسكت الْقَوْم بِقطع الْهمزَة الْمَفْتُوحَة يُقَال سكت وأسكت لُغَتَانِ بِمَعْنى صمت قَالَه أَكثر أهل اللُّغَة وَقَالَ الْأَصْمَعِي سكت صمت وأسكت أطرق لله أَبوك كلمة مدح تعتاد الْعَرَب الثَّنَاء بهَا فَإِن الْإِضَافَة إِلَى الْعَظِيم تشريف وَلِهَذَا يُقَال بَيت الله وناقة الله فَإِذا وجد من الرجل مَا يحمد قيل لله أَبوك حَيْثُ أَتَى بمثلك تعرض الْفِتَن على الْقُلُوب كالحصير عودا عودا فِي ضَبطه أوجه أظهرها وأشهرها ضم الْعين وإهمال الدَّال وَالثَّانِي فتح الْعين مَعَ الإهمال وَالثَّالِث الْفَتْح والإعجام وَاخْتَارَ القَاضِي الأول وَبِه جزم صَاحب التَّحْرِير وَاخْتَارَ بن السراج الثَّانِي وَقَالَ وَمعنى تعرض تلصق بِعرْض الْقُلُوب أَي جَانبهَا كَمَا يلصق الْحَصِير بِجنب النَّائِم ويؤثر فِيهِ شدَّة التصاقها بِهِ قَالَ وَمعنى عودا عودا أَي تُعَاد وتكرر شَيْئا بعد شَيْء قَالَ وَمن رَوَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاه سُؤال الِاسْتِعَاذَة مِنْهَا كَمَا يُقَال غفرا غفرا أَي نَسْأَلك أَن تعيذنا من ذَلِك وَقَالَ غَيره مَعْنَاهُ تظهر على الْقُلُوب أَي تظهر لَهَا فتْنَة بعد أُخْرَى وَقَوله كالحصير أَي كَمَا ينسج الْحَصِير عودا عودا وشظية بعد أُخْرَى قَالَ القَاضِي وعَلى هَذَا يتَرَجَّح رِوَايَة ضم الْعين وَذَلِكَ أَن ناسج الْحَصِير عِنْد الْعَرَب كلما صنع عودا أَخذ آخر ونسجه فَشبه عرض الْفِتَن على الْقُلُوب وَاحِدَة بعد أُخْرَى بِعرْض قضبان الْحَصِير على صانعها وَاحِدًا بعد وَاحِد قَالَ القَاضِي وَهَذَا معنى الحَدِيث عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهِ سِيَاق لَفظه وَصِحَّة تشبيهه أشربها أَي دخلت فِيهِ دُخُولا تَاما وألزمها وحلت مِنْهُ مَحل الشَّرَاب وَمِنْه وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل أَي حبه وثوب مشرب بحمرة أَي خالطته مُخَالطَة لَا انفكاك لَهَا نكت بِالْمُثَنَّاةِ آخِره نقط نُكْتَة نقطة قَالَ بن دُرَيْد كل نقط فِي شَيْء بِخِلَاف لَونه فَهُوَ نكت أنكرها ردهَا أَبيض مثل الصَّفَا إِلَى آخِره قَالَ القَاضِي لَيْسَ تشبيهه بالصفا بَيَانا لبياضه وَلَكِن صفة أُخْرَى على شدته على عقد الْإِيمَان وسلامته من الْخلَل وَأَن الْفِتَن لم تلصق بِهِ وَلم تُؤثر فِيهِ كالصفا وَهُوَ الْحجر الأملس الَّذِي لَا يعلق بِهِ شَيْء مربادا بِالنّصب على الْحَال وَفِي بعض الْأُصُول مربئدا بِهَمْزَة مَكْسُورَة بعد الْيَاء وَالدَّال الْمُشَدّدَة من اربأد ك احمأر لُغَة فحين اربد كاحمر وَالْمَفْعُول من هَذِه مربد بِلَا همز كمحمر مجخيا بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي مائلا قَالَ بن السراج لَيْسَ قَوْله كالكوز مجخيا تَشْبِيها لما تقدم من سوَاده بل هُوَ وصف آخر من أَوْصَافه بِأَنَّهُ قلب ونكس حَتَّى لَا يعلق بِهِ خير وَلَا حِكْمَة وَقَالَ القَاضِي شبه الْقلب الَّذِي لَا يعي خيرا بالكوز المجوف الَّذِي لَا يثبت المَاء فِيهِ إِن بَيْنك وَبَينهَا بَابا مغلقا مَعْنَاهُ أَن تِلْكَ الْفِتَن لَا يخرج شَيْء مِنْهَا فِي حياتك يُوشك بِكَسْر الشين أَي يقرب أكسرا أَي أيكسر كسرا لَا أَبَا لَك قَالَ صَاحب التَّحْرِير هَذِه كلمة تَقُولهَا الْعَرَب للحث على فعل الشَّيْء وَمَعْنَاهُ أَن الْإِنْسَان إِذا كَانَ لَهُ أَب وَوَقع فِي شدَّة عاونه أَبوهُ وَرفع عَنهُ بعض الْكل فَلَا يحْتَاج من الْجد والاهتمام إِلَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ حَالَة الِانْفِرَاد وَعدم الْأَب المعاون فَإِذا قيل لَا أَبَا لَك فَمَعْنَاه جد فِي هَذَا الْأَمر وشمر وتأهب تأهب من لَيْسَ لَهُ معاون فَلَو أَنه فتح لَعَلَّه يُعَاد أَي بِخِلَاف المكسور فَإِنَّهُ لَا يُمكن إِعَادَته وَلِأَن الْكسر لَا يكون غَالِبا إِلَّا عَن إِكْرَاه وَغَلَبَة رجل يقتل أَو يَمُوت هُوَ عمر كَمَا بَين فِي صَحِيح البُخَارِيّ ثمَّ يحْتَمل أَن يكون حُذَيْفَة سَمعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَكَذَا على الشَّك وَالْمرَاد بِهِ الْإِبْهَام على حُذَيْفَة وَغَيره وَيحْتَمل أَن يكون حُذَيْفَة علم أَنه يقتل وَلكنه كره أَن يُخَاطب عمر بِالْقَتْلِ فَإِن عمر كَانَ يعلم أَنه هُوَ الْبَاب كَمَا فِي البُخَارِيّ حَدِيثا لَيْسَ بالأغاليط جمع أغلوطة وَهِي الَّتِي يغالط بهَا أَي حَدِيثا صدقا محققا لَيْسَ هُوَ من صحف الْكَاتِبين وَلَا من اجْتِهَاد ورأي بل من حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أسود مربادا قَالَ شدَّة بَيَاض فِي سَواد قَالَ بَعضهم هُوَ تَصْحِيف وَصَوَابه شبه الْبيَاض فِي سَواد لِأَن شدَّة الْبيَاض فِي السوَاد لَا تسمى ربدة وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ بلق والربدة إِنَّمَا هِيَ شَيْء من بَيَاض يسير يخالط السوَاد كلون أَكثر النعام وَمِنْه قيل للنعامة ربدا قَالَ أَبُو عَمْرو الربدة لون بَين السوَاد والغبرة وَقَالَ بن دُرَيْد لون أكدر
[١٤٥] بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبا بِالْهَمْز من الِابْتِدَاء غَرِيبا أَي فِي آحَاد من النَّاس وَقلة ثمَّ انْتَشَر وَظهر وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ أَي وسيلحقه النَّقْص والاختلال حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا فِي آحَاد وَقلة أَيْضا كَمَا بَدَأَ فطوبى فعلى من الطّيب وَقيل مَعْنَاهُ فَرح وقرة عين وسرور لَهُم وغبطة وَقيل دوَام الْخَيْر وَقيل الْجنَّة وَقيل شَجَرَة فِيهَا للغرباء قَالَ النَّوَوِيّ فسروا فِي الحَدِيث بالنزاع من الْقَبَائِل قَالَ الْهَرَوِيّ أَرَادَ بذلك الْمُهَاجِرين الَّذين هجروا أوطانهم إِلَى الله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute