وروي: أن الرجال والنساء كانوا يغتسلون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد، وهذا يفيد سقوط التحديد؛ إذ الحدُّ لا يثبت في ذلك إلا من الشرع، وليس في ذلك شرع؛ ولأنه لو كان في ذلك حد لا يجزئ دونه، للزم منه الحرجُ العظيم، والمشقة الشديدة؛ لِمَا عُلم من اختلاف عادات الناس في استعمالهم، وتفاوتها، فمنهم من يكفيه اليسيرُ؛ لاقتصاده ورفقه، واعتدالِ بشرته، ومنهم لا يكفيه إلا الكثير؛ لإسرافه وخرقه، فلو كان في ذلك حدٌّ موقوت، لوجب أن يفارق كل إنسان عادته، وأن يستعمل من يكفيه دون ذلك الحد زيادة على ما يحتاج إليه، وأن يقتصر من لا يتمكن من أداء الواجب إلا بأكثر مما قدر له على ما لا يمكن معه أداء الواجب، وهذا فاسد، فبطل التقدير، لذلك قال القاضي عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: ومن الناس من حُكي عنه: أنه لا يجوز الاقتصار في الوضوء على أقلَّ من مُدٍّ، وفي الاغتسال على أقلِّ من صاع؛ لورود الخبر بذلك.
(قلت: ظاهرُ كلام القاضي يقتضي أن هذا القول بالتحديد خارج المذهب، وليس كذلك، بل هو منقول في مذهب مالك -رحمه الله
تعالى - (١).
قال: وهذا لا معنى له؛ لأن ذلك إنما ورد على أنه إخبار عن القَدْر الذي كان يكفيه -صلى الله عليه وسلم-، لا أنه حد لا يجزئ دونه، وإنما قصد به التنبيه على فضيلة الاقتصاد، وتركِ الإسراف.
(١) من قوله: «قلت: ظاهر كلام القاضي» إلى هنا ليس في ق.