للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القوم ليسوا بأصحاب حجج، وغالبهم واقف مع ذوقه.

فاعلم أن السماع يُهيِّج من القلب الحبَّ المشترك، فيشترك فيه محب الرحمن، ومحب الأوثان، ومحب الصلبان (١)، ومحب الأوطان، ومحب النسوان، ومحب المردان، كل له نصيب وشِرْبٌ وذوق على حسب محبته، فإذا سمعه من هو مفتون بمحبة وثنه أو صليبه أو وطنه أو امرأة أو صبي، أثار من قلبه كامنَه، وأزعجَ منه قاطنَه، وهيَّجه (٢) وهيَّج (٣) منه ما يناسب حاله مع محبوبه. وتهييجُ السماع لهذا الحب الفاسد القاطع عن الله المبعد عنه، أعظم من تهييجه للحب الصحيح الموصل إليه، من وجوه عديدة.

أحدها: أن وضع الأشعار المسموعة المطربة فيه، إنَّما قيلت في الصور [٣٦ أ] المعشوقة، من ذكر أو أنثى، فصورتها ومعناها ومضمونها إنما يناسب مَن قيلت فيه ومَن هو مثله، وكلّما كانت المناسبة أقوى كان التأثير والتأثر أتمَّ. وقد علم أرباب الخبرة من السماعاتية أن سماعًا (٤) لا يكاد يخلو من عشق صورة البتة، إمّا حلالًا وإمّا حرامًا، وغالب عشاق الصور إنما يتعلق (٥) عشقُهم الصورَ المحرمة، وهم أركان السماع وأهل الذوق فيه.


(١) "ومحب الصلبان" ساقطة من ك.
(٢) "وهيجه" ليست في ع، ك.
(٣) ع: "ويهيج".
(٤) في الأصل وك: "سماعنا". والمثبت من ع.
(٥) ع: "متعلق".