للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس في بعض الأوقات، فما له وللتقرب والتعبد به؟ واستنزال الأحوال الإيمانية والأذواق العرفانية والمواجيد القلبية به؟

ونظير هذا دخول عمر - رضي الله عنه - على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهروب النسوة [٨٩ أ] اللاتي كنَّ يغنين لما رأينه، ووضعن دفوفهن تحتهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما رآك الشيطان سالكًا فجًّا (١) إلا سلك فجًّا غير فجِّك" (٢). فأخبر أن الشيطان هرب مع تلك النسوة، وهذا يدل على أن الشيطان كان حاضرًا مع أولئك النسوة، وهرب معهن. فقد أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصديق على أن الغناء مزمور الشيطان، وأخبر أن الشيطان فرَّ من عمر لما فر منه النسوة، فعُلِمَ أن هذا من الشيطان، وإن كان رُخِّصَ فيه لهؤلاء الضعفاء العقولِ من النساء والصبيان، لئلا يدعوهم الشيطان إلى ما يُفسِد عليهم دينَهم، إذ لا يمكن صرفُهم عن كل ما تتقاضاه الطباع من الباطل.

والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فهي تُحصِّلُ أعظمَ المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، فإذا وُصِف العمل بما فيه من الفساد مثل كونه من عمل الشيطان، لم يمنع ذلك أن يُدفَع به مفسدة شرٌّ منه وأكبر وأحب إلى الشيطان منه، فيُدفَع بما يحبه الشيطان ما هو أحب إليه (٣)


(١) ع: "في فج".
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٨٣) ومسلم (٢٣٩٦) عن سعد بن أبي وقاص.
(٣) ع: "إلى الشيطان".