للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الآخر (١):

أُعانقها والنفس بعدُ مشوقةٌ ... إليها وهل بعد العِناقِ تَدانِ

[٣٨ أ] وألْثِمُ فاها كي تزولَ صَبابتي ... فيشتدُّ ما ألقَى من الهَيمان

فإن قال المغني "أعانقه" كان طربُ الحاضرين أكثر، فهل يحل لمن يرجو لله وقارًا، ويعلم أنَّ الله سائلهُ غدًا عما (٢) قال وفعل، أن يفتي بأنَّ السماع حلال مطلقًا، وهو يعلم أنَّ هذه البلايا وأضعاف أضعافها فيه؟ هل يطيب السماع عند القوم إلَّا بمدح ما حرَّم الله ورسوله، وذِكْر محاسن المردان والنسوان، والأشعار التي قيلت في حريم المسلمين وأبنائهم؟

فوالله إنَّ بلية الإسلام بهؤلاء من أعظم البلايا، وفي غير (٣) سبيل الله كم أُفسِد بالسماع من قلب، وكم سُلِب من نعمة، وكم جُلِب من نقمة، وكم رُكِب به من فرج حرام، وكم استُحِلَّ به من المحارم والآثام، وكم صَدَّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وكم قطع على السالكين طريق (٤) النجاة، وكم تهافتتْ (٥) به فَراشُ العقول والأحلام في الجحيم، وكم فاتها به من (٦) حظها من الله وجنات النعيم؟ تاللهِ ما نصبَ صياد بني آدم مثل هذا


(١) البيتان لابن الرومي. وتخريجهما في "روضة المحبين" (ص ٥٢).
(٢) ك: "كما" تحريف.
(٣) "غير" ساقطة من ع.
(٤) في الأصل: "سبيل". والمثبت من ك، ع.
(٥) في الأصل: "تهافت". والمثبت من ك، ع.
(٦) "من" ليست في ع.