للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ركب الله سبحانه الطباع على شهوة الصور المستحسنة، وامتحن العباد بمجاهدة أنفسهم على الصبر وإيثار ما عنده، وشرع لهم من أوراد العبادات في ليلهم ونهارهم ما يستعينون به على محاربة داعي النفس والشيطان، من الصلوات الخمس وتوابعها من الصيام والحج والجهاد الظاهر والباطن، ومع هذا فغلبات الطباع ودواعي الهوى تأبى أن تترك (١) العبد سليمًا.

وأعظم محرِّكات (٢) الهوى ودواعيه ثلاثة أشياء تُسْكِر (٣) الروح: النظر واستماع الغناء وشرب الخمر، فهذه الثلاثة هي أقوى أسباب العشق والفجور، والنفس الأمَّارة محبة لها مؤثرة لها، فجاء الشيطان إلى النفوس ودعاها من هذه الأبواب الثلاثة.

فلما جاء إلى نفوس أهل الإرادة والسالكين إلى الله، لم يمكنه أن يدعوهم من باب النظر والخمر، فدعاهم من باب السماع، فلما دخلوا منه بَرْطَلَ نفوسهم، بأن خلَّى بينها وبين حركة الحب، وقطع عنها الوساوس وخطرات المعاصي والفجور، وجمعها على السماع أتمَّ جمع، ولم يشوّش عليها بوسواس ولا خطرات. فوجدت بذلك النفوس راحةً من وساوسها وخطراتها، وقوةً عظيمة بجمعيتها، حتى إنَّ أحدهم


(١) في الأصل: "لن تترك". والمثبت من ك، ع
(٢) في الأصل: "محرمات" تحريف.
(٣) ك: "يسلو" تحريف.