للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما أنبتته له (١) تلك (٢) من كلأ الإيمان وعُشْبه وثمارِه، ولئلا تنقطع مادة النبات. والقلب في استسقاء واستمطار هكذا دائمًا، يشكو إلى ربه جَدْبه وقَحْطَه وضرورته إلى سقيا رحمته وغيثِ بِرِّه، فهذا دأب العبد أيام حياته.

فإن الغفلة التي تنزل بالقلب هي القحط والجدب، فما دام في ذكر الله [٤٧ ب] والإقبال عليه فغيث الرحمة واقع عليه كالمطر المتدارك، فإذا غفلَ ناله من القحط بحسب غفلته قلة وكثرة، فإذا تمكنت الغفلةُ واستحكمتْ صارتْ أرضُه ميتةً، وسَنَتُه جرداءَ يابسةً، وحريقُ الشهوات فيها من كل جانبٍ كالسمائم.

وإذا تدارك عليه غيث الرحمة اهتزَّتْ أرضه ورَبَتْ وأنبتت من كل زوج بهيج، فإذا ناله القحط والجدب كان بمنزلة شجرة رطوبتها ولينها وثمارها من الماء، فإذا مُنِعتْ من الماء يَبِستْ عروقها (٣)، وذَبلتْ أغصانها، وحُبِست ثمارها وربما يبست الأغصان والشجرة، فإذا مددتَ منها غصنًا إلى نفسك لم يمتد ولم ينقَدْ لك وانكسر، فحينئذٍ تقتضي حكمة قيّم (٤) البستان قطعَ تلك الشجرة وجعلها وقودًا للنار، فكذلك القلب، إنما ييبس إذا خلا من توحيد الله وحبه ومعرفته وذكره ودعائه،


(١) "له" ليست في ع، ك.
(٢) بعدها في ع: "الرحمة".
(٣) من هنا إلى قوله: "في العبودية" (في الصفحة الآتية) سقط كبير في ك.
(٤) ع: "قيمة" تحريف.