للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا سبيلَ إلى السلامة الأُولى إلا بعد السلامة الأخرى، فليصبر على المعارضات ولا يَقْلَق، ولا يظنّ أن امتحانه بها لشرٍّ يُرادُ به، بل قد هُيِّئ بها لأمرٍ عظيم وخَطْبٍ جسيم، وليعلَمْ أنها وإن غَطَّتِ الوادي فهي كالزَّبد يذهب جُفاءً، ويبقى ما فيه حياتُه ونعيمُه (١) ــ الإيمان واليقين ــ مستقرًّا في القلب، يُسقى به زرعُه ويَروَى به الناس ويَسقُون به زروعَهم.

وسمع قارئًا يقرأ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤]، فقال: بالصبر واليقين تُنال الإمامةُ في الدين (٢)، فبالصبر تُنفى الشهوات، وباليقين تُدفع الشبهات، فيصيرُ قدوةً للمؤمنين وإمامًا للمتقين، يَقتدي أهل الإرادة بصبره، وأهل العلم بيقينه. فلِواءُ الإمامة بيده، فإذا قصدَه جيشُ الشهوات ليدُقُّوا (٣) اللواء اتَّقاه بالصبر، وإذا قصده جيشُ الشبهات دفعه باليقين.

فهذا هو الصدِّيق الذي يستغفرُ له مَن في السموات ومَن في الأرض، حتى الحيتان في البحر ودوابُّ البرِّ والأنعامُ، ويُصلِّي الله


(١) فوقها كلمة غير واضحة، ولعلها "أعني".
(٢) هذا كلام شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (٣/ ٣٥٨)، ونقل عنه المؤلف في "مدارج السالكين" (٢/ ٤٤٩)، وتكلم عليه في مواضع من كتبه، انظر: "أعلام الموقعين" (٤/ ٦٠١)، و"إغاثة اللهفان" (٢/ ٩٠٣)، و"عدة الصابرين" (ص ١٣٠)، و"مفتاح دار السعادة" (١/ ٢٢٥) وغيرها.
(٣) دَقَّ الشيءَ: كسَرَه أو ضربه بشيء. هذا إذا صحَّ ما في النسخة. ويمكن أن يكون "لِيدُفُّوا" بالفاء من دَفَّ الشيءَ: نَسَفَه واستأصله.