للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أن سماع الغناء يُحصِّل محبوبَ الله خالصًا أو راجحًا، فإنه إذا حصَّلَ محبوبَه ومكروهَه، والمكروه أغلب، كان مذمومًا وإن كان محصِّلًا لمحبوبٍ مّا. وإن تكافأ المحبوب والمكروه فيه لم يكن محبوبًا ولا مكروهًا.

فأما الأصل الأول ــ وهو معرفة ما يحبه الله ويرضاه ويمدح فاعلَه ويُثني عليه ــ فهو المحَكُّ والفرقان، وإليه التحاكم في هذه المسألة وغيرها، وهو الفرق بين من اتخذ إلهه هواه وبين من عبدَ الله [٧٦ ب] بما يحبه ويرضاه، فإن رضيتَ بالتحاكم إلى هذا (١) الأصل، ولم تجد في نفسك حرجًا مما يحكم به وتسلِّم له تسليمًا، حصل الوفاق وزال الخلاف والشقاق.

وهذا الأصل له ميزانٌ يُوزن به، ومحكٌّ يُحَكُّ عليه، وكثير من الناس بل أكثرهم غَلِطَ فيه، فظن في كثير مما يحبه هو وطائفته وشيخه ومن يُحسِن ظنه به أو ما يجده موافقًا لذوقه ووجده وحاله أنه مما يحبه الله ورسوله، ويُقرِّب إلى الله، وتُنال (٢) به كرامته في الدنيا ويوم لقائه.

ولا إله إلا الله! كم زلَّت في هذا الموضع أقدام، وضلَّت فيه أفهام، ونُسِبَ إلى محبة الرب تعالى أسخطُ شيء إليه وأكرهُه عنده، ولزم من ذلك أن نُسِبَ إلى كراهته أحبُّ شيء إليه وأرضاه (٣) له، ولا سبيل إلى


(١) في الأصل: "هذه".
(٢) ع: "وتناله".
(٣) في الأصل: "وأرضى".