للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وارثِ نبيٍّ من هذين العدوَّين، فأرشد عبادَه إلى ما يدفعون به شرَّ هذين العدوَّين عنهم:

فأمر بدفع شرِّ عدوِّ الإنسِ بأن يدفع سيِّئتَهُ بالتي هي أحسن، فلا يُقابِلُه على سيِّئتِهِ بمثلها، بل يُقابلُها بالإحسان، فإذا قابَلَ شرَّ عداوته بالإحسان انقلبتْ عداوتُه صداقةً، فصار كأنَّه وليٌّ حميمٌ؛ لأنَّه كلَّما أساء إليك ورآك تُقابلُ إساءَته بالإحسان إليه طَفَّأَ إحسانُك نارَ عداوتِه، والقلوبُ مجبولةٌ على حُبِّ من أحسنَ إليها، فكيف من قابَلَ الإساءةَ بالإحسان وسعى في مصلحتِك وأنت في مضَرَّتِه؟! فما مُلِكَت القلوبُ بمثلِ ذلك.

وهذا الخُلُقُ مَلِكُ الأخلاقِ الفاضلةِ، لا تصبرُ عليه إلا النفوسُ الكِبارُ والهِمَمُ العاليةُ، والناسُ أسرعُ انقيادًا إلى صاحبِهِ من السَّيلِ في منحدرِه، والقلوبُ تُعظِّمُه وتُحِبُّه وتُجِلّه وتَهابُه، والنَّاسُ أعداءُ من عاداهُ، وإن ازدادَ إحسانُه إليه اشتدَّ انتصارُ الناس له، فما قُهِرَ العدوُّ قطُّ بمثل الإحسان إليه، ولكن هذه الخُلَّة هي (١) كما قال الله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}. وبين العبد وبينها أن يُجرِّبَها ويذوقَ حلاوتها، وتصبرَ نفسُهُ على مرارتها قليلًا، وبعدَ تلك المرارة تجدُ أشدَّ الحلاوة.


(١) في النسخة: "امهى".