للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذلك (١) قال السلف الصالح (٢): "الغناء رقية الزنا". وبين الغناء وشهوة الجماع ولذته أقربُ نسبٍ (٣)، من جهة أنَّ الغناء لذة الروح، والجماع أكبر لذات النفس، فيجتمع داعي اللذتين على طبع مستعد ونفس فارغة، فيجد الداعي القوي محلًّا فارغًا لا مدافع له، فيتمكن منه، كما قيل (٤):

أتاني هواها قبلَ أن أعرِفَ الهوى ... فصادفَ قلبًا فارغًا فتمكَّنا

ولما يئس الصياد من المتعبدين أن يسمع أحدهم شيئًا من الأصوات المحرمة كالعود والطنبور والشبابة، نظر إلى المعنى الحاصل بهذه الآلات، فأدرجه في ضمن الغناء، وأخرجه في قالبه، وحسَّنه لمن قلَّ فقهه ورقَّ علمه، وإنما مراده التدريج من شيء إلى شيء.

والعارف من نظر في الأسباب إلى غاياتها ونتائجها، وتأمل مقاصدها وما تؤول إليه، ومن عرف مقاصد الشرع في سَدِّ (٥) الذرائع المفضية إلى الحرام قطع بتحريم هذا السماع، فإنَّ النظر إلى الأجنبية


(١) ك: "وكذلك".
(٢) هو الفضيل بن عياض، أخرجه عنه ابن أبي الدنيا في "ذم الهوى" (٥٧) والبيهقي في "شعب الإيمان" (٥١٠٨).
(٣) ع: "سبب".
(٤) البيت للمجنون أو غيره، وتخريجه في "روضة المحبين" (ص ١٤٤).
(٥) في الأصل: "صد" خطأ.