للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإصغاءَ بالحق الإصغاءُ بالنفس، فإن تجرُّدَ الإنسان عن صفاته اللازمة لذاته ممتنع.

الأمر الثاني: أن يقال لك: ومن أين لك أن كل من أصغى إليه بحق تحققَ؟ بل المُصْغِي إليه بحق قد يحصل له من الزندقة والنفاق علمًا وحالًا ما لا شعورَ له به، كما قال عبد الله بن مسعود: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" (١). والنفاق هو الزندقة، وهذا (٢) من كمال معرفة الصحابة واطِّلاعِهم (٣) على الحقائق، فإن البقل ينبت في الأرض شيئًا فشيئًا، لا يُحِسُّ الإنسانُ بنباته، ولا يَفجأه (٤) إلا وقد استحكم واستفحل. وهكذا الزندقة تبدو في القلب شيئًا فشيئًا حتى تستحكم وتَتِمَّ، وهكذا الإيمانُ، وهكذا الحبُّ والبغضُ وسائرُ صفات القلب، بل هكذا الفسوق والفجور والولاية والعداوة.

يُوضِّح هذا: أن دعوى التحقُّق والتحقيق والحقائق قد كثرتْ على ألسنة أقوامٍ هم من أعظم الناس زندقةً ونفاقًا قديمًا وحديثًا، من القرامطة


(١) سبق تخريجه.
(٢) من هنا إلى (ص ٣٩٥) ساقطة من الأصل، وقد كنت أشرت إلى هذا الخرم في الطبعة الأولى (ص ٢٧٥).
(٣) ع: "ولطلاعهم".
(٤) ع: "ولا نفخاه". والفعل من باب فرح وفتح، أي: ولا يفاجئ الإنسانَ هذا النباتُ ... والمحقق الجديد أبعد النجعة، فأثبت: "ولا تفحاه" بمعنى تبزره، ولا يوجد هذا الفعل بهذا المعنى في المعاجم.