للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الشهوة والغضب والهوى وغيرها، فإن البشر لا يخلو من ذلك، ولو فُرِضَ أن قلبه يخلو عن حركات هذه القوى فعدمُها شيء وسكونها شيء آخر، والعدم [١٢٣ ب] ممتنع عليها، وغايتها أن تسكن، ومن شأن السماع أن يحرِّك الساكنَ ولابدَّ، فكيف يُمكِن الإنسانَ أن يسكُنَ لشيء مع ملابسته لما يوجب حركته؟ هذا من المحال عادةً، وهو من التفريق بين الملزوم ولازمه، أو الجمع بين الشيء وضدِّه. وهو نظيرُ أن يقال: أَدِمِ (١) النظرَ إلى هذه المرأة الشابة الحسناء الجميلة، من غير أن تُحرِّك نفسَكَ لإرادتها وطلبها، وهل الآمر بهذا إلا من أحمق الناس؟ ولهذا قال بعض العارفين: إن أحوال السماع بعد مباشرته تبقى غير مقدورة للإنسان، بل خارجة عن حد التكليف، وهذا غير معذور فيه لمباشرته أسبابه، فهو كمن زال عقله بالسُّكْر اختيارًا.

وقوله: "ومن أصغَى إليه بحقٍّ تحقَّق"، عليه فيه أمران:

أحدهما: أن يقال: الإصغاء إليه بحق لا يخالطه باطل، أمرٌ غير مقدور عليه لبشرٍ (٢)، وغاية ما في قوة صاحب الرياضة والصفاء التام أن يكون حالَ الإصغاء لا يجدُ في نفسه إلا طلبَ الحق وإراداته، ولكن من أين يَثِقُ بنفسه أنه يبقى على ذلك؟ والواقع أنه إذا سمع خالط (٣)


(١) ع: "أذم" تصحيف شنيع.
(٢) ع: "للبشر".
(٣) في الأصل: "خالطا".