للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشيطان لأمره به ورضاه به، وإلا فليس هو الصوت نفسه، فصوت الغناء وصوت النوح وصوت المعازف [١١٦ ب] من الشبابات والأوتار وغيرها كلها من أصوات الشيطان، التي يَستفِزُّ بها بني آدم فيَستخِفُّهم ويُزعِجُهم. ولهذا قال السلف في هذه الآية: "إنه الغناء".

ولا ريبَ أنه من أعظم أصوات الشيطان التي يَستفِزُّ بها النفوسَ ويُزعِجها ويُقلِقها، وهو ضدُّ القرآن الذي تطمئن به القلوب وتسكنُ وتُخبِتُ إلى ربها، فصوت القرآن يُسكِّن النفوسَ ويُطَمْئِنُها ويُوقرها، وصوت الغناء يَستفِزُّها ويُزعِجُها ويُهيِّجُها، كما قيل:

حاملُ الهوى تَعِبُ ... يَستفِزُّه الطَّرَبُ

كلَّما انقضَى سببٌ ... عادَ منك لي سَبَبُ

تَضْحَكِينَ لاهيةً ... والمحِبُّ يَنْتَحبُ

تَعجَبِين من سَقَمِيْ ... صِحَّتِي هي العَجَبُ (١)

فلو لم يكن دليل على أن صوت الغناء والمعازف هو صوت الشيطان لما يستفزّ به السامع ويُقلِقه به ويُزعِجه ويُزِيل طمأنينتَه لكفى به دليلًا.

وكذلك صوته الذي يَستفِزُّ به النفوسَ عند المصيبة وهو النوح، فيستفزُّها بهذا الصوت إلى الحزن والأسف والسخط بما قضى الله،


(١) الأبيات لأبي نواس في ديوانه (٢٢٧).