للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقطعَ حباله، قال: ولم أسمع صوتًا أطيبَ منه، ووقعتُ لوجهي حين سمعته، حتى أشار عليه سيدُه بالسكوت، فسكت.

*قال صاحب القرآن: لا ريبَ أن الصوت المتناهي في الحسن يُحرِّك النفوس تحريكًا عظيمًا جدًّا خارجًا عن العادة، وقد شاهد الناس وسمعوا من ذلك ما هو معلوم، والأصوات من أعظم المحركات للنفوس، ولا يُعادِلُها شيء في حركة النفوس إلا الصور، فإذا اتفق قوة المؤثر واستعداد المحل قوي التأثير، حتى يغيب عن الحسِّ أحيانًا، ويحول بين سامعه وبين مباشرة المؤلم المؤذي، فلا يَشعُر به.

وإذا صادف محلًّا مستعدًّا لصِغَرٍ (١) أو أنوثةٍ أو جزعٍ أو فرحٍ أو قوةِ حبٍّ أو رياضةٍ ولطافةِ روحٍ، حرَّكهُ غايةَ الحركة، وأزعجَ قاطنَه (٢)، وأثار ساكنَه، وهذا لا يدل على جواز ولا تحريم ولا مدح ولا ذم، بل دلالته على الذم والمنع أقرب من دلالته على الجواز والاستحباب، فإن هذا يُفسِد النفوس أكثر مما يُصلِحها، ويضرها أكثر مما ينفعها، وإن كان فيه منفعة يسيرة فآفته ومضرته أكبر من نفعه (٣)، وقد قال تعالى للشيطان: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: ٦٤]، فالصوت الشيطاني يَستفِزُّ بني آدم، وصوت الشيطان كل صوت في غير طاعة الله، نُسِبَ إلى


(١) في الأصل: "كصغر".
(٢) ع: "باطنه".
(٣) ع: "منفعته".