ولقد ذَكَرْتُكِ والرِّمَاحُ شَوَاجِرٌ ... نحوي وَبِيْضُ الهِنْدِ تَقْطُرُ من دَمِي
وهذا أقوى ما يكون من الحبِّ: أن يَذْكُرَ المُحِبُّ محبوبَهُ أخوَفَ ما يكونُ، عندما يَذْهَلُ الخليلُ عن خليلِهِ وولدِهِ، ولا يكونُ هذا إلا للشُّجعانِ الأبطالِ؛ لكمالِ بَسالتِهِم وزوالِ الخوفِ عن قلوبِهِم، فلا يُفارِقُهم ذِكْرٌ من محبوبِهِ. وأمَّا الجبانُ فالخوفُ قد خَلَعَ قلبَهُ، فلم يَبْقَ له قلبٌ يَذْكُرُ به مَن يُحِبُّهُ.
فالمجاهدون أربعةُ أصنافٍ: شجاعٌ ذاكرٌ، فهذا في الجيش يُعَدُّ بفئةٍ. وجبانٌ غافلٌ، فهذا يَكْسرُ جيشًا. وشجاعٌ غافلٌ. وجبانٌ ذاكرٌ. فالفلاحُ التامُّ للأول، وهو فضلُ الله يؤتيه من يشاء.
وسمع قارئًا يقرأ:{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}[الفرقان: ٢٠]، فقال: امتَحَنَ عبادَهُ بعضَهُم ببعضٍ، وامتَحَنَ صبرَهُم، وأخبَرَ أنَّه بصيرٌ بأهلِ الصبرِ منهم وغيرِ أهلِ الصبر، فإن لم يَصْبِرُوا على ما امتُحِنُوا به في هذه الدار امتَحَنَهم يومَ لقائِهِ بما لا صَبْرَ لهم عليه.
(١) هو عنترة نفسه. والبيت من معلقته باختلاف في الرواية في "جمهرة أشعار العرب" (ص ١٦٨)، وليس في "ديوانه".