فيها داعي الطبع وما يعتقده من داعي الشرع، وهذا الداء العضال الذي هلك به من هلك، ونجا من سبقت له من الله الحسنى.
فصل
ومما ينبغي أن يُعلم أنَّ مجرد الحسن لا يُثِيبُ الله عليه ولا يعاقب، وليس في دين أحدٍ من الأنبياء محبةُ أحدٍ لحسنه، ولو كان الحسن مما يرفع الله به درجةَ صاحبه ويزيده به ثواباً لكان يوسف الصديق أفضلَ من غيره من الأنبياء لحسنه. وإذا استوى شخصان في الأعمال الصالحة وكان أحدهما أحسنَ صورةً أو أحسنَ صوتًا [١١١ أ] كانا عند الله سواء، فإنَّ أكرم الخلق عند الله أتقاهم، ولكن صاحب الصورة الجميلة إذا صان جمالَه عن محارم الله وعفَّ عنها كان أفضلَ من غيره من هذا الوجه، وهو بمنزلة صاحب المال والقدرة إذا عفَّ عن قدرة، فإنَّه أفضلُ ممن عفافُه عفافُ عجز، فإنَّ ما امتحن به صاحب القدرة والمال والجمال من الأسباب الداعية إلى اتباع الهوى أو قضاء الشهوة أعظمُ مما امتحن به مَنْ خلا من ذلك، فجهادُ هذا وصبرُه أعظم.
وهذا عام في جميع الأمور التي أنعم الله بها على بني آدم وابتلاهم بها، فمن كان فيها شاكرًا صابرًا كان من أولياء الله المتقين، وكان أفضل ممن لم يُمتحَن، وإن لم يكن المبتلَى صابرًا شكورًا بل فرَّط فيما أُمِر به ونُهِي عنه كان له حكم أمثاله، وكان من سَلِمَ من هذه المحنة خيرًا منه، فمن امتُحِن وصبر فهو خير الأقسام، ويليه من سَلِمَ من المحنة، والثالث من امتُحِن فوقع، فهو المأخوذ المعاقَب إلا أن يتداركه الله.