للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من مبتدع ضالٍّ يجعل ما نهى الله عنه قربةً، وما كرهه الله دينًا، وهو يرى المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، قد زُيِّنَ له سوءُ عمله فرآه حسنًا. ومن جعل ما لم يأمر الله به ولا أحبه محبوبًا له، فقد شرع دينًا لم يأذن الله به، وذلك باب الشرك، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ [١١٠ ب] أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: ١٦٥]، فإن محبة الصور تعظم حتى تصير أندادًا وطواغيتَ يتدين بها أهلها، ويُشْرَبُ في قلوبهم أعظمَ من حب (١) الذين أُشرِبوا في قلوبهم العجلَ. وكم بين محبة عجلٍ إلى محبة غزالٍ أغيدَ تَسبِيْ محاسنُه القلوبَ وتَأسِرُ العقول؟ فهؤلاء أُشرِبوا في قلوبهم الخِشْفَ، كما أُشرِبَ أولئك في قلوبهم (٢) العجلَ.

وهذا بخلاف من مالت نفسه إلى المحرمات مؤمنًا بأنَّ الله حرَّمها، ويَمقُتُ عليها، ويخاف عقابه على فعلها، فإنه لا يحبُّها محبةً محضة، بل عقله وإيمانه يُبغِض ذلك ويكرهه وينهى عنه، ولكن غلبه طبعُه، وهواه يدعوه إلى ارتكابها على خوفٍ ووجلٍ من الله، فهذا يُرجَى له رحمة الله، إما بأن يُوفِّقه لتوبة نصوح تُكفِّر عنه سيئاته، أو يستعمله في طاعة كثيرة وحسنات ماحيةٍ ترجح بسيئاته، وإما بمصائبَ يبتليه بها يُكفّر بها عنه، وإما بغير ذلك من الأسباب التي يرحمه بها. بخلاف من اعتقد أنَّ هذه المحبة لله، فإنَّ طباعه واعتقاده يتعاونان على قوتها وزيادتها، ويجتمع


(١) "حب" ليست في ع.
(٢) ع: "في قلوب أولئك".