للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١١٠ ب] ويُكرِمون صاحب الصورة المليحة على ما يبذل لهم من صورته وشهوده وتوابع ذلك، كما يُكرِم أصحاب السماع ذا الصوت الحسن على ما يبذل لهم من صوته، وإن اجتمع فيه الأمران نال عندهم من الكرامة أعلاها ومن الحُظْوة منتهاها، ولهذا إذا رأى هؤلاء من جمع بين الصورة الجميلة والصوت اللذيذ من غلامة وغلام، عكفوا (١) بقلوبهم وهِمَمِهم عليه، وانقادتْ أسرارهم وجوارحهم إليه، وشَقُّوا عليه القلوب قبل الجيوب، وبذلوا في مرضاته كل مطلوب. وقد زيَّن الشيطان لكثير من هؤلاء أنَّ عشق الصور (٢) الجميلة إذا لم يقارنه فاحشة محبة محمودة، وأنها محبة لله وفي الله، وهم نظير أصحاب الأصوات المطربة، فالطائفتان "رَضِيعَا لِبانٍ ثَدْيَ أمٍّ تقاسَما" (٣).

والعارف يعلم أنَّ هذا أعظم من مواقعة الكبيرة، فإنَّها معصيةٌ أدنى أحوالِه أن يَذُمَّ نفسَه ويلومَها عليها، ويخاف مقتَ الله وغضبه ولعنته، وأما هذا فمتقرب متعبد بالعكوف على تمثال الجمال، وقد حال بين قلبه وبين ذي العظمة والجلال. فأين مؤمنٌ فاسق قد جمع سيئةً وحسنةً، خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا،

يخاف ذنوبًا لم تَغِبْ عن وليِّه ... ويرجوه فيها فهو راجٍ وخائفُ (٤)


(١) في الأصل: "علقوا".
(٢) ع: "الصورة".
(٣) شطر بيت سبق تخريجه. وفي الأصل: "رضيع لبان".
(٤) البيت لعبد الله بن محمد بن يوسف (ابن الفرضي) في "بهجة المجالس" (١/ ٣٨٠) و"الآداب الشرعية" لابن مفلح (٢/ ٣٣) و"نفح الطيب" (٢/ ١٢٩).