للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا ريبَ أن من السماع ما تتنزَّلُ الرحمةُ على أهلِهِ فيه، ومنه ما تتنزَّلُ عليهم فيه اللعنةُ، ومنه ما لا يتنزَّلُ عليهم فيه رحمةٌ ولا لعنةٌ. وهذا بحسب المسموعِ في نفسه، ومرتبتِهِ في الخير والشرِّ والحمدِ والذمِّ.

وإذا تأمَّلَ العاقلُ الأثر الذي يحصل عند سماع الآيات، والأثرَ الذي يحصل عند سماع الأبيات تبيَّن له عند أيِّ الأثرين تنزلُ الرَّحمةُ.

قال أحمد بن مقاتل العَكِّيُّ: كنتُ مع الشِّبليِّ في مسجدٍ ليلةً في شهر رمضان، وهو يصلي خلف إمامٍ له، وأنا بجنبه، فقرأ الإمام: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: ٨٦]، فزعق زعقةً، قلت: طارت روحُهُ، ثم أفاق وهو يرتَعِدُ وهو يقول: بمثلِ هذا يخاطب الأحباب (١).

وحُكيَ عن الجُنيد أنه قال: دخلتُ على السَّريِّ يومًا فرأيتُ عنده رجلًا مَغشيًّا عليه، فقلت: ما له؟ فقال: سمع آية من كتاب الله. فقلت: تقرأ عليه ثانيًا. فقرأ فأفاق، فقال لي: من أين علمتَ هذا؟ فقلت: إنَّ قميص يوسف ذهبت بسببه عينُ يعقوبَ ثم به عادَ بصرُه. فاستحسَن ذلك مني (٢).


(١) "الرسالة القشيرية" (٢/ ٥١٤)، و"اللمع" للسراج (ص ٣٥٥).
(٢) انظر المصدرين السابقين.