قلوبهم على آياته صُمًّا عن معانيه عُميانًا عن حقائقه، فإذا جاء السماعُ الذي هو مشروبهم انفتحت آذانُ قلوبهم وزال الغطاء عن أعيُنِهم، فقاموا له إجلالًا وهيبةً، أبصرَ شيءٍ لمعانيه، وأسمعَ شيءٍ لحقائقه، وأفهمَ لمرادِ المغنِّي، قد حملهم استجلاءُ معانيه واستِلذاذُها واستطابتُها ومباشرتُها لقلوبهم على القَنَعِ بوجدهم وذوقهم، إذ طفحَ بهم وامتلأت به بواطنُهُم، ففاض على ظواهرِهِم.
وبالله إنهم ليشهدون على أنفسهم بما ذكرناه، ويشهد الله به عليهم وملائكته والمؤمنونَ من عبادِه، وكفى بالله شهيدًا.
وسمع قارئًا يقرأ:{كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}[الإسراء: ٢٠]، فقال: أصول النِّعَمِ ثلاثةٌ: نعمة الإيجاد، ونعمة الإعداد، ونعمةُ الإمداد. فالنِّعَمُ والخيراتُ كلُّها تابعةٌ لهذه الثلاثة ودائرةٌ عليها.
فشَمِلَهم بنعمة الإيجاد التي تناولت البرَّ والفاجرَ، والمؤمنَ والكافرَ، ودَلَّهم بها على توحيد ربوبيته، وأنه لا خالقَ غيره، ولا ربَّ سواه.
ثم خصَّ بنعمة الإعداد منهم محالَّ (١) أعدَّها لقلوب كمالاتها التي هي غايةُ سعادتها وفلاحها، ولم يساوِ بينَهم في هذه النعمة، بل فاوتَ بينهم فيها غايةَ التفاوتِ: